لانه قال في الآية الاولى : (انا سنجعل عليكم الليل سرمدا ،) ومادام الليل سرمدا ـ أي باقيا ـ فتكون وسيلة الادراك هي الاذن (أَفَلا تَسْمَعُونَ) وليست العين.
ولكن في النهار تكون وسيلة الادراك هي العين ، فمع النهار يقول :
(أَفَلا تُبْصِرُونَ) ومع الليل يقول : (أَفَلا تَسْمَعُونَ).
اذا فهذا اعجاز بياني عظيم يتمشى مع الحقائق العلمية.
٥ ـ ونجد شبيها لهذه الملاحظة في موضع آخر من القرآن ، وهو يكشف أيضا عن العلاقة الواقعية والطبيعية بين بداية الآيات ونهاياتها.
ففي الآية ٢٦ و ٢٧ من سورة السجدة نقرأ قوله تعالى :
(أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ ، أَفَلا يَسْمَعُونَ).
وبعدها يقول :
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ ، أَفَلا يُبْصِرُونَ).
ففي الآية الاولى كانت بدايتها (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ).
أي ألم يصل اليهم ـ من التاريخ ـ اخبار أولئك الاقوام الماضية الذين أهلكهم الله ، فالقضية هنا شيء تاريخي واحداث ماضية ليسمع عنها الانسان ولا يراها أمامه ، فيحتاج ان يقول (أَفَلا يَسْمَعُونَ).
بينما في الآية الثانية بدايتها («أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ).
فهي تريد لفت الانظار الى ظاهرة طبيعية امام الناس ليشاهدونها دائما ، وهي تدل على قدرة الله ورحمته فيحتاج ان يقول تعقيبا عليها :
(أَفَلا يُبْصِرُونَ).