فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) (١) الآية.
وعن زيد بن أسلم : أن مروان بن الحكم كان يوما ، وهو أمير على المدينة ، عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج ، فقال مروان : يا أبا سعيد ، أرأيت قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا) والله إنا لنفرح بما أتينا ، ونحب أن نحمد بما لم نفعل؟ فقال أبو سعيد : ليس هذا في هذا ، إنما كان رجال في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي ، فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم ، فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا (٢).
عن ابن جريج قال : أخبرني ابن أبي مليكة : أن علقمة بن وقاص أخبره : أن مروان قال لرافع بوابه : اذهب إلى ابن عباس وقل له : لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب ، لنعذبن أجمعين. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذا ، إنما دعا النبي صلىاللهعليهوسلم يهود ، فسألهم عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، ثم قرأ ابن عباس : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٨٧] (٣).
وقال الضحاك : كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها : إن محمدا ليس نبي الله ، فاثبتوا على دينكم ، وأجمعوا
__________________
(١) النيسابوري ، ١١٦ ـ ١١٧ ، والسيوطي ٦٤ ، ورواه مسلم في صحيحه : أوائل كتاب صفات المنافقين وأحكامهم ، رقم : ٢٧٧٧ ، وانظر البخاري : التفسير / آل عمران ، باب : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) ، رقم : ٤٢٩١ ، وتفسير القرطبي ، ج ٤ / ٣٠٦ ، وتفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٧.
(٢) تفسير ابن كثير ، ج ١ / ٤٣٧.
(٣) ليس هذا في هذا : ليست هذه الآية في المعنى الذي ذكرتموه. النكبة : المصيبة. ما لكم ولهذا : أي ليست هذه الآية فيكم. أخرجه الشيخان في صحيحيهما. أخرجه البخاري في صحيحه برقم ٤٢٩٢ ، ومسلم في صحيحه برقم ٢٧٧٨.