والآداب والسّلوك
، وإمّا لسبب خاصّ ؛ وذلك لمعالجة الوقائع والحوادث والمستجدّات في عهد النّبوّة ـ
وهذا التّنزيل وإن كان لسبب خاصّ ، فهو مرتبط بالهداية العامّة ، فإنّ العبرة
لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب ـ فإنّ تنزيله لسبب دليل واضح على كون «القرآن
العظيم» نزل لهداية النّاس وإرشادهم ، ولإصلاح حياتهم وتقويم شئونهم. ولهذا لم يكن
اهتمام الصّحابة لمعرفة أسباب نزول آيات القرآن الكريم غريبا ؛ فإنّهم قد عايشوا
ظروف تلك الأسباب ، ولهذا كانوا أعلم العباد بكتاب الله تعالى.
قال الصّحابيّ
الجليل عبد الله بن مسعود : «والّذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلّا
وأنا أعلم فيمن نزلت ، وأين نزلت ، ولو أعلم مكان أحد بكتاب الله منّي تناله
المطايا لأتيته» . وقال الصّحابي الجليل حبر الأمّة عبد الله بن عباس في
بيان أهميّة «علم أسباب نزول القرآن» : «إنّا أنزل علينا القرآن فقرأناه ، وعلمنا
فيما نزل ، وإنّه سيكون بعدنا أقوام يقرءون القرآن ، ولا يدرون فيم نزل ، فيكون
لهم فيه رأي ، فإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا ، فإذا اختلفوا اقتتلوا» . وقال ابن دقيق العيد : «بيان سبب النّزول طريق قويّ على
فهم القرآن» . وقال النّيسابوريّ : «لا يمكن معرفة تفسير الآية دون
الوقوف على قصّتها وبيان نزولها» .
ولهذا اعتنى
العلماء بعلم أسباب النّزول عناية فائقة في التّفسير عموما ، وفي التّصنيف
والتّدوين في أسباب النّزول خصوصا ، فأفرده بالتّأليف الإمام «عليّ بن المدينيّ» [ت
سنة ٣٢٤ ه]. والإمام عبد الرحمن بن محمد ـ المعروف بمطرف ـ الأندلسي [ت سنة ٤٠٢ ه]
فصنّف كتاب : «القصص والأساليب التي نزل من أجلها القرآن». والإمام أبو الحسن عليّ
بن أحمد الواحدي النّيسابوري [ت سنة ٤٦٨ ه] فقد صنّف كتابه المشهور «أسباب النزول».
والإمام ابن الجوزي [ت سنة ٥٩٧ ه] فصنّف
__________________