النضير إلى أخيها ، وهو رجل مسلم من الأنصار ، فأخبرته خبر ما أراد بنو النضير من الغدر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأقبل أخوها سريعا حتى أدرك النبي صلىاللهعليهوسلم فسارّه بخبرهم ، فرجع النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما كان من الغد عدا عليهم بالكتائب فحاصرهم فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء ، على أن لهم ما أقلت الإبل إلا الحلقة ، وهي السلاح ، وكانوا يخربون بيوتهم فيأخذون ما وافقهم من خشبها ، فأنزل الله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) حتى بلغ : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٦) [سورة الحشر ، الآيات : ١ ـ ٦] (١).
الآية : ٥ ـ قوله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ).
وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل ببني النضير ، وتحصنوا في حصونهم ، أمر بقطع نخيلهم وإحراقها ، فجزع أعداء الله عند ذلك وقالوا : زعمت يا محمد أنك تريد الصلاح ، أفمن الصلاح عقر الشجر المثمر وقطع النخيل؟ وهي وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض؟ فشق ذلك على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون ذلك فسادا ، واختلفوا في ذلك ، فقال بعضهم : لا تقطعوا ، فإنه مما أفاء الله علينا ، وقال بعضهم : بل اقطعوا. فأنزل الله تبارك وتعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) الآية ، تصديقا لمن نهى عن قطعه وتحليلا لمن قطعه ، وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى (٢).
عن قتيبة : أخبرنا الليث بن سعد ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم حرق نخل النضير وقطع ، وهي البويرة (٣) ، فأنزل الله تعالى : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) (٥) (٤).
__________________
(١) النيسابوري ٣٤٣ ، والسيوطي ٢٩٠ ، وسنن أبي داود برقم ٣٠٠٤ بنحو هذا اللفظ ، وانظر تفسير ابن كثير ، ج ٤ / ٣٣١ ـ ٣٣٢.
(٢) النيسابوري ، ٣٤٣ ـ ٣٤٤ ، والسيوطي ، ٢٩٠ ـ ٢٩١ ، وانظر سنن الترمذي برقم ٣٣٠٣ ، وقال : حديث حسن غريب.
(٣) البويرة : موضع معروف من بلد بني النضير.
(٤) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما : البخاري : التفسير / الحشر ، باب : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) ، رقم : ٤٦٠٢ ، ومسلم : الجهاد والسير ، باب : جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها ، رقم : ١٧٤٦ ، وانظر تفسير القرطبي ، ج ١٨ / ٦ ـ ٨ ، وزاد المسير ، ج ٨ / ٢٠٧.