بعد وقعة أحد ، ليحالفوا قريشا على غدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وينقضوا العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزل كعب على أبي سفيان ، ونزلت اليهود في دور قريش ، فقال أهل مكة : إنكم أهل كتاب ، ومحمد صاحب كتاب ، ولا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم ، فإن أردت أن نخرج معك فاسجد لهذين الصنمين وآمن بهما. فذلك قوله : (يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ). ثم قال كعب لأهل مكة : ليجيء منكم ثلاثون ومنا ثلاثون ، فنلزق أكبادنا بالكعبة ، فنعاهد رب البيت لنجهدنّ على قتال محمد ، ففعلوا ذلك ، فلما فرغوا قال أبو سفيان لكعب : إنك امرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ، ونحن أميون لا نعلم ، فأينا أهدى طريقا وأقرب إلى الحق ، أنحن أم محمد؟ فقال كعب : اعرضوا عليّ دينكم. فقال أبو سفيان : نحن ننحر للحجيج الكوماء ، ونسقيهم الماء ، ونقري الضيف ، ونفك العاني ، ونصل الرحم ، ونعمر بيت ربنا ونطوف به ، ونحن أهل الحرم ، ومحمد فارق دين آبائه وقطع الرحم ، وفارق الحرم ، وديننا القديم ودين محمد الحديث. فقال كعب : أنتم والله أهدى سبيلا مما هو عليه. فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) يعني كعبا وأصحابه (١).
الآية : ٥٢ ـ قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ).
عن قتادة قال : نزلت هذه الآية في كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب ، رجلين من اليهود من بني النضير ، لقيا قريشا بالموسم ، فقال لهما المشركون : أنحن أهدى أم محمد وأصحابه ، فإنا أهل السدانة والسقاية (٢) ، وأهل الحرم؟ فقالا : بل أنتم أهدى من محمد. فهما يعلمان أنهما كاذبان ، إنما حملهما على ذلك حسد محمد وأصحابه ، فأنزل الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (٥٢). فلما رجعا إلى قومهما قال لهما قومهما : إن محمدا يزعم أنه قد نزل فيكما كذا وكذا؟ فقالا : صدق والله ، ما حملنا على ذلك إلا بغضه وحسده (٣).
الآية : ٥٨ ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها).
__________________
(١) السيوطي ٧٦.
(٢) بالموسم : أي موسم الحج. السدانة : خدمة الكعبة. السقاية : سقاية الحجيج وتأمين الماء له.
(٣) النيسابوري ١٣٣.