امرأته أنّها عليه كظهر أمه ، فتحرّم عليه حرمة أمه ؛ ويقرّر أن هذا الكلام يقال بالأفواه ، ولا ينشئ حقيقة وراءه ، بل تظل الزوجة زوجة ولا تصير أمّا بهذا الكلام. ثم من هذا إلى إبطال التبني :
(وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) [الآية ٤].
والدعي هو المتبنّى يدّعي الإنسان بنوّته ، وهو لا يصير ابنا بمجرّد القول ، ثمّ يأمرهم أن يدعوا المتبنّى إلى أبيه ، فإن ذلك أقسط وأعدل من دعوتهم لمن يتبنّونهم.
ثمّ ينشئ الولاية العامّة للرسول (ص) على المؤمنين جميعا ، كما ينشئ صلة الأمومة الشعوريّة ، بين أزواج النبي (ص) والمؤمنين ؛ ويعقّب على هذا التنظيم الجديد ، بالإشارة إلى أنّ ذلك مسطور في كتاب الله القديم ، وإلى الميثاق المأخوذ على النبيّين وعلى أولي العزم منهم بصفة خاصة ، على طريقة القرآن في التعقيب على النظم والتشريعات والمبادئ والتوجيهات ، لتستقرّ في الضمائر والنفوس ؛ ويستغرق هذا الفصل من أول السورة إلى الآية ٨.
غزوة الأحزاب وبني قريظة
نجد الفصل الثاني من السورة ممتدّا من الآية ٩ إلى الآية ٢٧ ، ويتناول هذا الفصل غزوة الأحزاب ، ويصف مشاهدها وملابساتها ، ويصوّر أحوال المسلمين فيها ، وقد جاءتهم قريش من أسفل الوادي ، وغطفان من أعلاه ؛ وأسقط في يد المسلمين : فالأحزاب أمام المدينة ، ويهود بني قريظة نقضوا عهودهم ، وأظهروا الخيانة والغدر للمسلمين ؛ وحفر المسلمون خندقا لحماية المدينة ، وكان المسلمون غاية في الإجهاد والعسرة المادية ، واشتدت الفتن ، وفي وسط هذه المحن بشّر النبي (ص) المؤمنين بالنصر ، ووعدهم كنوز كسرى وقيصر ؛ وظهر النفاق من بعض المنافقين فقالوا : إنّ محمّدا يعدنا كنوز كسرى وقيصر ؛ وأحدنا اليوم لا يستطيع الخروج إلى الخلاء وحده ؛ وفي ذلك يقول القرآن :
(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (١٢)).
واستنجد النبي (ص) ربّه سبحانه ، ورفع يديه إلى السماء ، وقال : «اللهم ربّ الأرباب ومسبّب الأسباب ، اهزم