المبحث الثامن
المعاني المجازية في سورة «ص» (١)
قوله تعالى : (وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (١٢)) هذه استعارة على بعض الأقوال ، وهو أن قوله تعالى (ذُو الْأَوْتادِ) معناه ذو الملك الثابت ، والأمر الواطد ، والأسباب الّتي بها يثبت السلطان ، كما يثبت الخباء بأوتاده ، ويقوم على عماده.
وقد يجوز أيضا أن (ذُو الْأَوْتادِ) معناه ذو الأبنية المشيّدة ، والقواعد الممهّدة ، الّتي تشبّه بالجبال في ارتفاع الرؤوس ورسوخ الأصول. لأن الجبال تسمى أوتاد الأرض. قال سبحانه : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً (٦) وَالْجِبالَ أَوْتاداً (٧)) [النّبأ].
وقوله سبحانه : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)). وقرئ : من فواق (٢) بالضم. وقد قيل إنهما لغتان ، وذلك قول الكسائي. وقال أبو عبيدة : من فتح أراد ما لها من راحة ، ومن ضمّ أراد ما لها في إهلاكهم من مهلة ، بمقدار فواق الناقة ، وهي الوقفة الّتي بين الحلبتين. والموضع الّذي يحقق الكلام بالاستعارة على قراءة من قرأ من فواق بالفتح ، أن يكون سبحانه وصف تلك الصيحة بأنها لا إفاقة من سكرتها ، ولا
__________________
(١). انتقي هذا المبحث من كتاب : «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي ، تحقيق محمد عبد الغني حسن ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، غير مؤرّخ.
(٢). الضم هو قراءة حمزة والكسائي. وبقية القرّاء قرءوها بفتح الفاء. وقال الجوهري : الفواق بالفتح والفوق بالضم ما بين الحلبتين من الوقت. وفي الحديث الشريف (العيادة قدر فواق الناقة) انظر «الجامع لأحكام القرآن» ج ١٥ ص ١٥٦.