بحيث يصحّ القول إن في الآيات علاجا روحيا مستمرا يمدّ المسلمين بالقوة والأمل والطمأنينة بحسن العاقبة في عالم الخلود مهما ضاقت عليهم الأحوال في عالم الفناء.
ولقد أورد المفسر القاسمي في سياق الآية الأولى حديثا عن ابن عباس رواه الشيخان أيضا جاء فيه : «إنّ عمر بن الخطاب قال جئت رسول الله فإذا هو في مشربة وإنه لعلى حصير ما بينه وبينه شيء وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف وعند رجليه قرظ مصبور وعند رأسه أهب معلّقة فرأيت أثر الحصير في جنبه فبكيت فقال ما يبكيك؟ قلت : يا رسول الله إن كسرى وقيصر فيما هم فيه وأنت رسول الله! فقال : أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟». والحديث ورد في فصل التفسير في صحيح البخاري في سياق تفسير سورة التحريم في مناسبة ما كان من غضب رسول الله على زوجاته. وفيه صورة من صور معيشة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وزهده التي روي من بابها صور عديدة (١). وفي جواب النبي لعمر ما احتوته الآية من تلقين ومعالجة. ولا نرى فيه تعارضا مع قول الله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) الأعراف [٣٢] وفي سورة المائدة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) [٨٧] وإنما الصورة كما قلنا صورة عيش النبي صلىاللهعليهوسلم وزهده لما هو بسبيله من مهمة عظمى رأى أنها تقتضي منه التفرّغ لها والزهد في ما عداها (٢).
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩٩)) [١٩٩]
__________________
(١) التاج ، ج ٤ ص ٢٣٩ ـ ٢٤١. والأهب هي أكياس جلد توضع فيها أشياء المعيشة.
(٢) انظر صور معيشة رسول الله وزهده في أحاديث عديدة في التاج ج ٥ ص ١٦٠ ـ ١٦٤.