يلزم من وجود العام وجود الخاص ، ولكن يلزم من الذمّ على العامّ وإنكاره ، الذمّ على الخاصّ وإنكاره لا محالة ؛ وما نحن فيه من هذا القبيل ، والجواب المحقّق أن يقال إن هذا الخاص لمّا كان مخصوصا بمزيد قبح من بين أنواع الافتراء خصّه بالذكر ، تنبيها على مزيد العقاب فيه والإثم.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الآية ١٠٢] بعد قوله سبحانه (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الآية ١٠١]؟
قلنا : ذكره أوّلا استدلالا به على نفي الولد ، ثم ذكره ثانيا توطئة وتمهيدا لقوله تعالى : (فَاعْبُدُوهُ) [الآية ١٠٢] فإن كونه خالق كل شيء يقتضي تخصيصه بالعبادة والطاعة ، فكانت الإعادة لفائدة جديدة.
فإن قيل : في قوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [الآية ١٠٣] كيف خص الأبصار بإدراكه لها ، ولم يقل وهو يدرك كل شيء مع أنه أبلغ في التمدح؟
قلنا : لوجهين : أحدهما مراعاة المقابلة اللفظية ، فإنه نوع من البلاغة.
الثاني أن هذه الصفة خاصة بينه وبين الأبصار أنه يدركها ، بمعنى الإحاطة بها وهي لا تدركه ، فأما غيره مما يدرك الأبصار فهي تدركه أيضا ، فلهذا خصها بالذكر.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلاً) [الآية ١١٤] ولم يقل وهو الذي أنزل إليّ مع أنه سبحانه قال في موضع آخر : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) [المائدة : ٤٨]؟
قلنا : لمّا كان إنزاله إلى النبي (ص) ليبلغه إلى الخلق ويهديهم به ، كان في الحقيقة منزلا إليهم ، لكن بواسطة النبي (ص) فصلح إضافة الإنزال إليه وإليهم.
فإن قيل : في قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ) (١١٨) كيف علّق الكون من المؤمنين بأكل الذبيحة المسمّى عليها ، والكون من المؤمنين حاصل ، وإن لم تؤكل الذبيحة أصلا؟
قلنا : المراد إعتقاد الحلّ لا نفس الأكل ، فإن بعض من كان يعتقد حل الميتة من العرب كان يعتقد حرمة الذبيحة.