بالإغضاء والصفح والصبر في القرآن المكي. وفي القول وجاهة إذا قيد بما احتوته آيات القتال المدنية من شروط وحدود مثل مقاتلة المعتدين على المسلمين والناكثين بعهودهم معهم والطاعنين في الدين الإسلامي والصادين عنه بالقوة والفتنة على ما شرحناه في سياق تفسير سورة (الكافرون). ومع ذلك فإن الآية الأولى تظل على ما يتبادر لنا مستمد تلقين للمسلمين في التسامح والكظم والإغضاء وضبط النفس تجاه مواقف غير المسلمين غير المستحبة وفي الظروف التي تتحمل ذلك ولا يترتب عليه ذل أو صدّ أو استمرار في الأذى والعدوان. ولا يتناقض هذا مع الآيات المدنية التي فيها تنظيم لعلاقة المسلمين بغير المسلمين على ما سوف نشرحه في مناسباته.
(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)) [١٦ ـ ٢٠]
(١) الحكم : بمعنى الحكمة أي كل ما فيه السداد والصواب والنظر الصائب من أمر وقول وفعل.
(٢) الشريعة : بمعنى الطريقة أو المنهج.
(٣) من الأمر : المقصد من الجملة (من أمر الدين).
عبارة الآيات واضحة ، ويبدو أنها جاءت معقبة على الآيات السابقة :
١ ـ فمع أن الله تعالى قد آتى بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقهم من الطيبات وفضلهم على الناس في ذلك فإن هذا لم يمنعهم من الاختلاف والنزاع