جاءوا فعلا بشهدائهم وشهدوا بما يؤيد مزاعمهم وبعدم التسليم بصحة شهادتهم وتصديقهم فيها.
وواضح أن الآيات متصلة بالآيات السابقة وفصل من فصول المناظرة القائمة بين المشركين والنبي صلىاللهعليهوسلم في صدد تقاليد التحريم والتحليل.
وبدء الآية الأولى يتضمن أن القول الذي حكي عن المشركين هو ما يتوقع صدوره منهم. وهذا الأسلوب مألوف في المناظرات كما لا يخفى. ولا يبعد أن يكون قد وقع منهم في موقف مماثل فتوقع أن يقولوه في هذا الموقف. وفي آية في سورة النحل سجل صدور ذلك منهم فعلا وهي هذه : (وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥)).
والمتبادر أن المشركين قصدوا إفحام النبي صلىاللهعليهوسلم بقولهم إنما يفعلون ما يفعلون بمشيئة الله وأنه لو لم يشأ لما فعلوه. فردت عليهم الآيات ردّين أشارت في أولهما إلى وحدة أخلاق وطبيعة الجاحدين المكذبين دائما في نزوعهم إلى المراوغة واللعب بالألفاظ. وأكدت في ثانيهما أن الله لو شاء لهدى الناس جميعا ، حيث انطوى فيه تقرير حكمة الله سبحانه التي اقتضت أن يكون للناس حرية الاختيار والسلوك لتكون له عليهم الحجة الدامغة البالغة.
تعليق على الآية
(سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ
كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ
تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ)
والآيتين التاليتين لها
ولقد كانت هذه الآيات موضوع بحث وجدل في بعض كتب التفسير بين أصحاب المذاهب الكلامية المختلفة منهم ، الذين يقول فريق منهم إن الإنسان