ترجيح ما روي عن ابن مسعود في صدد تفسير الآيات المروي في كتب البخاري ومسلم والترمذي. أما نحن فإننا في حيرة وتردد تجاه الرواية. لأننا نلاحظ أن نص الآية [١٠] لا يفيد حدوث الدخان وإنما يأمر بارتقاب حدوثه والآيات التي بعدها هي نتائج لما سوف يأتي. والآية [١٢] تحكي قول الكفار (إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)) حينما يحلّ عليهم عذاب الدخان مع أن رواية ابن مسعود لا تذكر أنهم أعلنوا للنبي صلىاللهعليهوسلم إيمانهم حينما جاءوا إليه يطلبون منه الاستسقاء وكشف العذاب. وفحوى الآية [١٢] يفيد أن طلب كشف العذاب كان موجها منهم إلى الله والرواية تذكر أنهم جاءوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم يطلبون منه الدعاء بكشفه. والفرق جوهري ومهم ، ونصر بدر على خطورته ليس أكبر بطشات الله في قريش لأنهم ظلوا بعده أقوياء وغزوا المسلمين في عقر دار هجرتهم مرتين ونالوا ثأرهم منهم عن بدر في إحداهما وهي واقعة أحد ، وزلزلوهم وأوقعوا الرعب الشديد في قلوبهم في ثانيتهما. هذا عدا أن أسلوب الآية [٢٥] يلهم أن التهديد والإنذار أبعد مدى وأجسم أثرا ويلهم بالتالي أنه إنذار بانتقام قاصم ولم يقع عليهم بطشة ربانية ساحقة في الدنيا فيكون احتمال القصد فيها لعذاب الآخرة أقوى.
ومهما يكن من أمر فالآيات كما قلنا جاءت معقبة على ما سبقها لبيان موقف الكفار من القرآن والنبي صلىاللهعليهوسلم ودعوته وللتنديد بهم وإنذارهم إنذارا قاصما.
على أن في الآيات كما شرحناها ما يفيد إنذارا بعذاب دنيوي بالدخان سوف يقع عليهم واستشعارهم حينئذ بالندم ومسارعتهم إلى إعلان إيمانهم وطلبهم من الله كشفه وبيانا بأن الله قد يكشفه عنهم ولكنهم سوف يعودون إلى غيهم فيستحقون بطشة الله الكبرى.
ولقد حكيت مواقف مماثلة في آيات أخرى منها آيات سورة يونس هذه : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ