وما ذكر هنا مقتضبا من رسالة موسى عليهالسلام إلى فرعون وموقف فرعون منها جاء مسهبا بعض الشيء في سور سابقة وعلقنا عليه بما يغني عن التكرار. والجديد هنا هو ما جاء في الآيات [٥١ ـ ٥٣] من خطاب فرعون لقومه. وهذا ليس واردا في الأسفار المتداولة ، ولكن ليس ما يمنع أن يكون ورد في قراطيس كانت في يد اليهود وأن العرب السامعين كانوا يعرفون ذلك من طريقهم.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [٥٤] مدنية. وظاهر أنها منسجمة انسجاما تاما نظما وموضوعا في الآيات مما يسوغ القول بعدم صحة الرواية.
(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧) وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩)) [٥٧ ـ ٥٩]
(١) يصدون : قيل إنها بمعنى يضجون فرحا وجلبة وصخبا. من التصدية وهي في أصلها بمعنى التصفيق. وقيل إنها بمعنى الإعراض والتعطيل من الصدّ والمقام يتحمل كلا المعنيين وإن كان حمله على المعنى الأول أولى وأقوى.
(٢) خصمون : عنيدون في الجدل والخصومة.
حكت الآيات موقف المشركين العرب حينما كان يذكر عيسى ابن مريم عليهالسلام حيث كانوا كلما ذكر في معرض الرد والتمثيل والعظة يزدادون إعراضا وجدلا أو يشتدون في الصخب والضجة ويتساءلون عما إذا كان هو خيرا أم آلهتهم. وقد ردّت عليهم بأن تساؤلهم وموقفهم وصخبهم ليس إلّا من قبيل الجدل والمكابرة التي برعوا فيها ثم استطردت إلى ذكر حقيقة عيسى فقررت أنه ليس إلّا عبدا من عبيد الله أنعم الله عليه بالاصطفاء وجعله موضع عنايته وآية معجزة لبني إسرائيل لإثبات قدرته ومثلا من أمثاله وآياته لهم.