فكأن العبادة في الدنيا سير الليل ، وما يعرض فيها من الفترات والميل إلى الكسل بمنزلة النعاس والنوم ، فإذا جاء الصبح ظهرت نتيجة السفر ، وزالت غوامض السفر ، وتبيّن فضل المجاهدين وخيبة الراقدين ، أو المراد بالليل والنوم : ما يعرض في الدنيا من الشبهات في الدين والشكوك المعارضة لليقين ، وبالصباح : انكشاف جميع ذلك في القيامة) (١) انتهى.
أقول : الظاهر أن ما تكلّفه هذا الفاضل في معنى الحديث لا يخلو من غموض وبعد ، بل الحديث ظاهر في أن (٢) الحياة الدنيوية وما فيها من اللذات الموجبة للرغبة فيها والشهوات إنّما هي بمنزلة أضغاث الأحكام التي يجدها الإنسان في المنام ، فكما أنه في حال النوم يرى ما يرى من الامور والأشياء التي لا يشكّ في صحّتها وبقائه حال نومه ، ثمّ بعد انتباهه ينكشف له إنّما هو هباء منثور ، كذلك الإنسان بعد الموت ، والمشاهدة لأحوال العالم البرزخي ، ورؤية النبي صلىاللهعليهوآله والأئمّة عليهمالسلام والملائكة ، ومن تقدّمه من الآباء والأجداد والأنساب ، وتيقنه أن هذا مقره إلى يوم القيامة ، مع ما هو فيه من النعيم الدائم أو العقاب ، يظهر له حينئذ أن الحياة في الدنيا إنّما كانت حلما من الأحلام قد انقضى بما فيه ، كالمنتبه من النيام.
«ولو شئت لتسربلت» أي تقمصت ، أو تدرعت ، أو لبست ؛ لأن السربال القميص والدرع ، أو كل ما لبس «بالعبقري» ، منسوب إلى (عبقر) موضع بالبادية ، تزعم العرب أنّها من بلاد الجن ، فينسب إليها كلّ ما يستحسن ويستغرب لغرابته وحسنه. وعبقري القوم : الرجل القوي. قاله المطرزي.
وقال في (القاموس) : (العبقري نسبة إلى قرية ثيابها في غاية الحسن ،
__________________
(١) الفوائد الطوسية : ١٤٥ / الفائدة : ٤٦.
(٢) في «ح» بعدها : هذه.