البر ، ولأقيمن عليه حدّ المرتدّ ، ولأضربنه الثمانين بعد حدّ ، ولأسدنّ من جهله كلّ مسدّ. تعسا له! أفلا شعر؟ أفلا صوف؟ أفلا وبر؟ أفلا رغيف قفار لليل إفطار مقدّم؟ أفلا عبرة على خدّ في ظلمة ليل لباك تنحدر؟ ولو كان مؤمنا لاتسقت له الحجة إذ ضيع ما لا يملك.
والله ، لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني (١) من برّكم صاعه ، وعاودني في عشر وسق من شعيركي (٢) يطعمه جياعه ، وكاد يلوني ثالث أيامه خامصا ما استطاعه ، ورأيت أطفاله شعث الألوان من ضرّهم كأنما اشمأزت وجوههم من قرّهم ، فلمّا عاودني في قوله وكرّره أصغيت إليه سمعي فغرّه ، وظنني اوبغ ديني وأتبع ما سره ، فأحميت له حديدة كير (٣) لينزجر ، إذ لا يستطيع منها دنوا (٤) ولا يصطبر ، ثمّ أدنيتها من جسمه ، فضجّ من ألمه ضجيج ذي دنف يئن من سقمه ، فكاد يسبني سفها من كظمه ، ولحرقة في لظى أضنى له من عدمه ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ، أتئن من حديدة أحماها إنسانها لدعبه ، وتجرني إلى نار سجّرها جبارها من غضبه؟! أتئن من الأذى ولا إنّ من لظى؟!
والله ، لو سقطت المكافاة [عن الامم] ، وتركت في مضاجعها باليات الرمم ، لاستحييت من مقت رقيب يكشف فاضحات الأستار من الأوزار (٥) ، فصبرا على دنيا تمرّ بلأوائها (٦) ، كليلة بأحلامها تنسلخ. كم من نفس في خيامها ناعمة ، ومن أثيم في جحيم يصطرخ! ولا تعجب من هذا ، واعجب من طارق طرقنا بملفوفات زمّلها في وعائها ، ومعجونة
__________________
(١) في «ح» بعدها : أن اعطيه.
(٢) في المصدر : شعيركم ، بدل : شعيركي.
(٣) من «ح» ، وليست في المصدر ، وقد رجّحنا ما في «ح» ؛ لأن الشرح على طبقه.
(٤) منها دنوا ، من «ح» المصدر ، وفي «ق» : مسها.
(٥) في «ح» بعدها تنسخ.
(٦) في «ق» بعدها : وانها ، وما أثبتناه وفق «ح» والمصدر.