تقلّد العالم بفسق نفسه للأمور المشروطة بالعدالة وإن كان ممّا يتراءى في بادئ النظر صحته ، بناء على ما ذكره المحدّث المشار إليه من أن المدار في الصحة والبطلان إنّما هو على اعتقاد المؤتمّ والمطلّق ، وأن الامور إنما بنيت على الظاهر ـ ويؤيده أيضا تحريم أو كراهة إظهار الإنسان عيوب نفسه للناس ، ووجوب (١) أو استحباب (٢) سترها ، ووجوب (٣) ستر غيره عليه لو اطّلع على معصية منه ـ إلّا إن الذي يظهر من التأمل في المقام ومراجعة أخبارهم عليهمالسلام خلاف ذلك.
وبيان ذلك : أن ظاهر الآية (٤) والروايات (٥) الدالة على النهي عن قبول خبر الفاسق والنهي عن الصلاة خلفه إنّما هو من حيث الفسق ، وهو مشعر بأن الفاسق ليس أهلا لهذا المقام ولا صالحا لتقليد هذه الأحكام ، وإذا كان الشارع لم يره أهلا لذلك ولا صالحا لسلوك هذه المسالك فهو في معنى منعه له من الدخول فيما هنالك ؛ فإدخاله نفسه فيما لم يره الله تعالى أهلا له وتعرّضه له موجب لارتكاب مخالفته عزوجل ، ومجرّد تدليس وتلبيس حمله عليه إبليس. وجواز اقتداء الناس به وقبول شهادته من حيث عدم ظهور فسقه لهم لا يدل على جواز الدخول له ؛ لأن حكم الناس في ذلك على حدة ، وحكمه في حدّ ذاته على حدة ، فحكمه في حدّ ذاته عدم جواز الدخول (٦) ، لما هو عليه من الفسق المانع من
__________________
(١) الفقيه ٣ : ٢٤ / ٦٥ ، وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٩١ ، كتاب الشهادات ، ب ٤١ ، ح ١.
(٢) تهذيب الأحكام ١٠ : ٨ / ٢٢ ، الفقيه ٤ : ٢١ / ٥١ ، وسائل الشيعة ٢٨ : ٣٧ ـ ٣٨ ، أبواب مقدمات الحدود ، ب ٦ ، ح ٥ ، ٦.
(٣) الكافي ٢ : ٢٠٧ / ٨ ، باب في ألطاف المؤمن وكرامته ، وسائل الشيعة ٢٦ : ٣٧٩ ، أبواب فعل المعروف ، ب ٣٣ ، ح ١.
(٤) الحجرات : ٦.
(٥) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٧٣ ـ ٣٧٤ ، أبواب الشهادات ، ب ٣٠.
(٦) له لأن حكم .. الدخول ، سقط في «ح».