المتقدمة ، وكذا الأخبار الآتية الصريحة الدلالة على أنّ العدالة أمر زائد على الإسلام ، وأنّها عبارة عن الاتصاف بمزايا الأوصاف من التقوى والورع والعفاف.
وحينئذ ، فلا بد من ردّها أو تأويلها ، والأولى (١) حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كلّ بليّة.
ويعضده ما ذكره بعض أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ من أن بعض العامة يذهب إلى أن الأصل في المسلم العدالة (٢).
ويعضده أيضا ما صرّح به الشيخ في (الخلاف) من أن البحث عن عدالة الشهود ما كان في أيام النبي صلىاللهعليهوآله ولا أيام الصحابة ولا أيام التابعين ، وإنّما هو شيء أحدثه شريك بن عبد الله ، ولو كان شرطا لما أجمع أهل الأمصار على تركه (٣). فإنه دال بأوضح الدلالة على أن قضاة العامة يومئذ من وقت الصحابة إلى وقت شريك كانوا على الحكم بالعدالة بمجرد الإسلام. ومن الظاهر أن القضاء والحكم بعد موت النبي صلىاللهعليهوآله إنّما كان في أيديهم ، ومتى ثبت ذلك اتجه حمل ما دلّ من أخبارنا على مجرد الاكتفاء بالإسلام على التقية.
وأمّا ما يوجد في كلام متأخري علمائهم من تفسير العدالة بالملكة ، فلعلّه حدث أخيرا من زمن شريك ونحوه ، كما حدث ذلك لمن تبعهم من متأخري أصحابنا ، مع عدم وجوده في كلام المتقدّمين. على أنه متى قيل بما دل عليه الخبران المذكوران ونحوهما من أن العدالة عبارة عن مجرّد الإسلام ، فاللازم من ذلك طرح تلك الأخبار الصحيحة الصريحة المستفيضة الدالة على ما ذكرناه ، وكذا مخالفة الآية ، وهو ممّا لا يلتزمه محصّل.
فالواجب ـ البتة ـ حمل ما دلّ على هذا القول صريحا على التقية ، مع احتمال
__________________
(١) في «ح» : والأظهر.
(٢) المغني ٦ : ٣٨٦ ، الشرح الكبير ٦ : ٣٨٢.
(٣) الخلاف ٦ : ٢١٨ / المسألة : ١٠.