وأما ما أجاب به في (المسالك) ـ وإن تبعه فيه من اقتفاه في ذلك ـ من أن غاية ما تدل عليه الآية : الاتصاف بأمر زائد على مجرد الإسلام فنحمله على عدم ظهور الفسق ، ففيه أنه لا ريب أن المتبادر من لفظ العدالة لغة وعرفا وشرعا ـ كما دل عليه الصحيح المتقدم ، وسيظهر لك من الأخبار الآتية إن شاء الله تعالى ـ أنّها أمر وجودي وصفة ثبوتية لا مجرد أمر عدمي ، فإذا قيل : فلان عدل ، أو ذو عدل فإنّما يراد أن له أوصافا وجودية توجب صدق هذا العنوان عليه ، وهو كونه معروفا بالتقوى والصلاح والعفاف ، ونحو ذلك.
ويؤيد ذلك ما ورد عن الإمام العسكري عليهالسلام في تفسيره بسنده عن النبي صلىاللهعليهوآله قال في قوله تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (١) ـ قال ـ : «ليكونا من المسلمين منكم ، فإن الله تعالى إنّما شرّف المسلمين العدول بقبول شهاداتهم ، وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم» (٢).
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام في قوله (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (٣) قال : «ممن ترضون دينه وأمانته وصلاحه وعفته وتيقنه فيما يشهد به ، وتحصيله وتمييزه ، فما كلّ صالح مميز ولا محصل ، ولا كلّ محصّل مميز صالح» (٤).
وبالجملة ، فإطلاق العدالة على مجرد عدم ظهور الفسق أمر لا يفهم من حاق اللفظ ، ولا يتبادر إلى فهم فاهم بالكلّية ، فالحمل عليه إنّما هو من قبيل المعميات والألغاز ، الذي هو بعيد بمراحل عن الحقيقة ، بل المجاز.
ويؤيد ما ذكرناه ما صرّح به المحقق الأردبيلي قدسسره في (شرح الإرشاد) : من (أن)
__________________
(١) البقرة : ٢٨٢.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٥٦ / ٣٧٤.
(٣) البقرة : ٢٨٢.
(٤) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٧٢ / ٣٧٥.