قال أبو محمد : هذا كله ما موهوا به من كل نطيحة ومتردية ، قد تقصيناه لهم وبينا أنه كله فساد وحماقات ، ونقضناه بالبراهين الضرورية والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : فإذ قد بطل كل ما شغب به من يقول إن النفس ليست جسما ، وسقط هذا القول لتعرّيه عن الأدلة جملة ، فنحن إن شاء الله عزوجل نوضح بعون الله عزوجل وقوته البراهين الضرورية على أنها جسم وبالله تعالى نتأيد. وذلك بعد أن نبين بتأييد الله عزوجل شعبين يمكن أن يعترض بهما : إن قال قائل : أتنمو النفس ...؟ فإن قلتم لا ، قلنا لكم نحن نجدها تنشأ من صغر إلى كبر ، وترتبط بالجسد بالغذاء وإذا انقطع الغذاء انحلت عن الجسد ، ونجدها تسوء أخلاقها ويقل صبرها بعدم الغذاء فإذا تغذت اعتدلت أخلاقها وصلحت.
قال أبو محمد : النفس لا تتغذّى ولا تنمّى ، أما عدم غذائها فالبرهان القائم بأنها ليست مركبة من الطبائع الأربع ، وأنها بخلاف الجسد ، هذا هو البرهان على أنها لا تتغذى وهو أن ما تركب من العناصر الأربعة فلا بدّ له من الغذاء ليستخلف ذلك الجسد أو تلك الشجرة أو ذلك النبات من رطوبات ذلك الغذاء أو أرضياته ، مثل ما تحلل من رطوباته بالهواء والحرّ ، وليست هذه صفة النفس إذ لو كانت لها هذه الصفة لكانت من الجسد أو مثله ، ولو كانت من الجسد أو مثله لكانت مواتا كالجسد غير حساسة ، فإذ قد بطل أن تكون مركبة من طبائع العناصر بطل أن تكون متغذية نامية. وأما ارتباطها بالجسد من أجل الغذاء فهو أمر لا يعرف كيفيته إلا خالقها عزوجل الذي هو مدبرها ، إلا أنه معلوم أنه كذلك فقط وهو كطحن المعدة للغذاء لا يدرى كيف هو وغير ذلك مما يوجده الله تعالى ويعلمه.
ومن البرهان على أن النفس لا تتغذى ولا تنمّى : أن البرهان قد قام على أنها كانت قبل تركيب الجسد على آباد الدهور ، وأنها باقية بعد انحلاله ، وليس هنالك في ذينك العالمين غذاء يولد نماء أصلا ، وأمّا ما ظنوه من نشأتها من صغر إلى كبر فخطأ ، وإنما هو عودة من النفس إلى ذكرها الذي سقط عنها بأول ارتباطها بالجسد.
وإن سأل سائل أتموت النفس؟ قلنا : نعم ، لأنّ الله تعالى نصّ على ذلك فقال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [سورة آل عمران : ١٨٥].
وهذا الموت إنما هو فراقها للجسد فقط ، برهان ذلك قول الله تعالى : (أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [سورة الأنعام : ٩٣]. وقوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [سورة البقرة : ٢٨].