ورأيت لهذا الكافر أبي هاشم كلاما ردّ فيه بزعمه على من يقول : إنه ليس لأحد أن يسمي الله عزوجل إلا بما سمّى به نفسه ، فقال هذا النذل : لو كان هذا ولم يجز لأحد أن يسمّي الله تعالى إلّا بما سمّى به نفسه لكان غير جائز لله أن يسمي نفسه باسم حتى يسميه به غيره.
قال أبو محمد : فهل يأتي الممرور بأقبح من هذا الاستدلال؟ وهل في التسمية أكثر من هذا؟ ولكن من يضلل الله فلا هادي له. ونعوذ بالله من أن يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين فنهلك.
وكان أبو هاشم أيضا يقول : إنه لو طال عمر المسلم المحسن لجاز أن يعمل من الحسنات والخير أكثر مما عمل النبي صلىاللهعليهوسلم.
قال أبو محمد : لا والله ولا كرامة ، ولو عمّر أحدنا الدهر كلّه في طاعات متصلة ما وازى عمل امرئ صحب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غير المنافقين والكفار المجاهرين ساعة واحدة فما فوقها ، مع قوله صلىاللهعليهوسلم : إنه لو كان لأحدنا مثل أحد ذهبا فأنفقه ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه (١). فمتى يطمع ذو عقل أن يدرك أحدا من الصحابة مع هذا البون الممتنع إدراكه قطعا ...؟ وكان أبو هاشم المذكور يقول : إنه لا يقبل توبة أحد من ذنب عمله أي ذنب كان ، حتى يتوب من جميع الذنوب.
قال أبو محمد : وحقا أقول لقد طرد أصل المعتزلة الذي أصفقوا عليه من إخراج المرء عن الإسلام جملة بذنب واحد عمله يصرّ عليه ، وإيجابهم الخلود في النار عليه بذلك الذنب وحده ، فلو كان هذا لكان أبو هاشم صادقا إذ لا منفعة له عندهم في تركه كل ذنب ، وهو بذنب واحد يصر عليه خارج عن الإيمان مخلد بين أطباق النيران ، وما ينكر هذا عليه من المعتزلة إلّا جاهل بأصولهم أو عامد للتناقض. وكان يقول : إن تارك الصلاة وتارك الزكاة عامدا لكل ذلك لم يفعل شيئا ولا أذنب ولا عصى ، وأنه مخلد بين أطباق النيران أبدا على غير فعل فعله ولا على شيء ارتكبه.
قال أبو محمد : فهل في التجوير لله على أصولهم وهل في مخالفة الإسلام جهارا أكثر من هذا القول السخيف؟ وكان الذي حمله على قوله هذا أن ترك الفعل
__________________
(١) رواه البخاري في فضائل الصحابة باب ٥. ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ و ٢٢٢. وأبو داود في السنّة باب ١٠. والترمذي في المناقب باب ٥٨. وابن ماجة في المقدمة باب ١١. وأحمد في المسند (٣ / ١١ ، ٥٤ ، ٦ / ٦).