سحرا ، قال لقومه : جيئوني بكل ساحر متقن للسحر عارف بجميع نواحيه ، من أجل الردّ على ما جاء به موسى (ع) ثم يموّه فرعون على قومه ويقول لهم : هذا سحر ندفعه بسحر مثله ، مع أن فرعون كان ذكيّا ربّما علم بأن دعوة موسى حق ، ولكنه حاول ذلك من أجل الإبقاء على تربّبه على الناس ، أو ربما كان قد جهل ذلك لأول وهلة فأراد أن يدفع سحرا بسحر.
٨٠ ـ (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى ...) لقد طوى سبحانه كلاما كثيرا يفهم من سياق الكلام ، وهو أن فرعون أرسل بطلب السّحرة ، وأنه جمعهم ، ثم ضرب موعدا للمباهلة والمباراة ، فاجتمع الناس ، وأتى السحرة ، الذين استدعاهم فرعون فقال لهم موسى عليهالسلام : (أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) أي اطرحوا في الأرض ما تريدون طرحه من سحركم. وقيل معناه : افعلوا ما أنتم فاعلون من السحر وأفرغوا ما في جعبتكم ، قاله على وجه التحدّي لأن من جاء لمقاومة المعجزات السماوية فليفعل ما بيده فعله حتى يرى الناس فشله وخذلانه.
٨١ ـ (فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ...) أي حين ألقوا حبالهم وعصيّهم وما جاؤا به من السحر ، قال موسى : هذا الذي جئتم به هو السحر ، وقد أدخل عليه الألف واللام للعهد ، فإن المباهلة كانت لتظاهر السحر في ذلك الموعد ، و (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) أي سيظهر عملكم باطلا لا جدوى منه ، حيث (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) أي أنه سبحانه لا يجعل عمل من قصد الإفساد في الدّين وأراد التلاعب بعقائد الناس عملا ناجحا صالحا يقف في وجه الحق ، لأنه يريد أن يظهر الحق من الباطل في كل حين. وقد ذكر في إعراب : ما جئتم به السحر ، وجهان : أحدهما : أن (ما) في موضع رفع مبتدأ ، وجملة (جِئْتُمْ بِهِ) في موضع رفع خبره ، والكلام استفهام. أما (السِّحْرُ) بدل من (ما) التي هي مبتدأ ، والتقدير : السحر جئتم به. وثانيهما : أن (ما) اسم موصول ، مبتدأ. وجملة (جِئْتُمْ بِهِ) صلتها ، والهاء في (بِهِ) عائدة على الموصول ،