المغرب فرجع الجراد من حيث أتى. ولكن فرعون لم يف بوعده ، فبعث الله عليهم الجراد الذي لا أجنحة له وهو أخبث أنواع الجراد فلحس الأرض كلها ، وقيل بل هو قمل كان يدخل ثوب الواحد منهم فيعضّه ، ويدخل في الطعام والشراب ، ويتخلل الشّعر وأشفار الجفون ، فهلعوا لذلك وهرعوا مع فرعون إلى موسى يقسمون له الأيمان على أنهم يطلقون بني إسرائيل إن هو أجارهم وجنّبهم هذا البلاء العجيب ، ففعل سلام الله عليه ، ولكنهم مع ذلك نكثوا معه العهد ، فسلّط الله تعالى عليهم الضفادع التي دخلت في بيوتهم ، ونزلت في قدورهم التي يطبخون فيها ، بل كانت تثب إلى حلوقهم إذا تكلموا ، فعادوا بالشكوى إلى موسى ووعدوه بالتوبة وعدم العودة إلى ما أخلفوا به ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق ثم دعا الله فكشف الضفادع عنهم ، فنقضوا العهد كما هي عادتهم فأرسل عليهم الدم حتى سال نهر النيل يراه القبطي دما ، ويراه الإسرائيلي ماء ، فيشربه الإسرائيلي سائغا ، وإذا تناوله القبطي تحوّل دما ، فعطشوا ومضغوا غصون الأشجار فصار ماؤها دما ، فشربوا من ذلك فحلّ بهم الرّعاف فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنّا ذلك لنؤمن لك ، ففعل وبقوا على الكفر والعناد ، فاستحقّوا غضب الله بعد هذه الآيات التي تكلّم عنها أيضا فيما يلي فقال سبحانه :
* * *
(وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦))