السلام ، وخاف من أمرهما السماوي ، فلم يذكر أنه سيقتلهما لما رأى من علوّ شأنهما وصدق دعوتهما ، فعمد إلى تقتيل الأبناء واستحياء النساء قائلا : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) أي متمكّنون من إخضاعهم .. وقد قرأ بعضهم : سنقتل بالتخفيف ، وهذه الصيغة تقع أيضا على التكثير من القتل ، ولكن : سنقتّل تبقى الأصح والأخص بالمعنى كما لا يخفى على اللبيب.
١٢٨ ـ (قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا ...) من المعلوم أن فرعون كان يذبح الصّبيان من أطفال الإسرائيليين قبل حادثة السّحر ليذبح في من يذبحه موسى كما زعم. ولما كان من أمر السّحر ما كان ، عاد فرعون فأمر بإعادة قتل الذكور ، فشكا بنو إسرائيل أمرهم لموسى (ع) فقال لهم : استعينوا بالله : خذوه عونكم على دفع كيد فرعون ، ورفع هذه الشدّة ، واصبروا على هذا البلاء وعلى دينكم الذي هداكم الله تعالى إليه (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ) فهو مالك الملك ، وهو تعالى (يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي ينقلها ممّن يكون ملكا فيها إلى من يريده هو جلّ وعلا ، وهو قادر على إهلاك فرعون كما أهلك من قبله ، فما عليكم إلّا الصبر (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) والفوز لمن اتّقى ورضى بقسمة الله سبحانه. ونلفت النظر إلى أنه إذا قيل : العاقبة له ، فهو في الخير. وإذا قيل : العاقبة عليه ، فهو في الشر.
١٢٩ ـ (قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا ...) القائلون هم بنو إسرائيل الذين شكوا أمرهم إلى موسى (ع) بأنهم حلّت بهم أذية فرعون وعذابه قبل أن يجيئهم بالرسالة والنبوّة (وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا) بها مؤخّرا ، ففرعون يقتل ويصلب ويذبح ويكلّفنا بأشقّ الأعمال ، فأين وعدك لنا بالنجاة والخلاص من هذا الذي نعانيه؟ فجدّد موسى (ع) لهم الوعد و (قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) أي : أوجب الله سبحانه على نفسه إهلاك عدوّكم. فلفظة : عسى ، فيها معنى الطمع والإشفاق ، ولكن المفسرين قالوا : إنها من الله واجب ليس فيه شيء من ذلك ولا من التمني ، وهو