فمرّت بهذا فرماها بسهم أصاب عضلة ساقها ، ومرّت عنيزة فأمرت ابنتها أن تسفر لقدار فرآها فشدّ على الناقة بالسيف فضرب عرقوبها فخرّت للأرض ورغت مرة واحدة فهجم ونحرها واجتمع أهل البلد فاقتسموا لحمها وطبخوه. فلما رأى فصيلها ما فعلوه بأمه ولّى هاربا ثم رغا رغاء هلعت له قلوبهم ، وخرج صالح عندئذ فجاءوه يعتذرون بأن لا ذنب لهم وإنما عقرها فلان فقط. فقال صالح (ع) : إنكم إن أدركتم فصيلها فعسى أن يرتفع عنكم العذاب فراحوا يبحثون عن الفصيل فلم يجدوه ، فقال صالح : تمتّعوا في بلدكم ثلاثة أيام وسينزل بكم العذاب بعد انقضائها : وستصفرّ وجوهكم في اليوم الأول وتحمّر في اليوم الثاني ، وتسودّ في اليوم الثالث ، وقد حصل لهم ذلك ، ثم أتاهم جبرائيل (ع) فصرخ بهم صرخة خرقت أسماعهم وفلقت قلوبهم وصرعت أكبادهم فماتوا منها أجمعين كبيرا وصغيرا ، ثم أرسل الله عليهم نارا من السماء أحرقتهم عن بكرة أبيهم ، وقيل إنها حلّت بهم زلزلة وصيحة في آن واحد.
وبالمناسبة نذكر ما روي عن النبي (ص) مرفوعا ـ كما في المجمع وغيره ـ قال : يا عليّ أتدري من أشقى الأولين. قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : عاقر الناقة. قال : أتدري من أشقى الآخرين؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم. قال : قاتلك. أو قال : أشقى الآخرين من يخضب هذه من هذه ، وأشار إلى لحيته ورأسه. وعن جابر بن عبد الله ، أن النبيّ (ص) لما مرّ بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه : لا يدخلنّ أحد منكم القرية ، ولا تشربوا من مائهم ، ولا تدخلوا على هؤلاء المعذّبين إلّا أن تكونوا باكين أن يصيبكم الذي أصابهم. ثم قال (ص) : لا تسألوا رسولكم الآيات ، هؤلاء قوم صالح سألوا رسولهم الآية ، فبعث لهم الناقة وكانت ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج تشرب ماءهم يوم ورودها. ثم دلّهم على المحل الذي صعد إليه الفصيل ، ثم أسرع صلوات الله وسلامه عليه فاجتاز هو وأصحابه ذلك الوادي الذي حصل فيه عقر الناقة وحلّ به غضب الله ونزل عليه العذاب من السماء.
* * *