ثلاثة قرون منهم ، كل قرن ثلاثمئة سنة. يدعوهم سرّا وجهرا فلا يزدادون إلّا طغيانا ، ولا يأتي منهم قرن إلّا كان أعتى على الله من الذين قبلهم. وكان الرجل منهم يأتي بابنه وهو صغير فيقيمه على رأس نوح فيقول : يا بنيّ ، إن بقيت بعدي فلا تطيعنّ هذا المجنون. وكانوا يثورون إلى نوح فيضربونه حتى يسيل مسامعه دما وحتى لا يعقل شيئا مما يصنع به ، فيحمل فيرمى به في بيت أو على باب داره مغشيّا عليه ، فأوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن. فعندها أقبل على الدعاء عليهم ، ولم يكن دعا عليهم قبل ذلك. فقال : ربّ لا تذر على الأرض إلى آخر السورة .. فأعقم الله تعالى أصلاب الرجال وأرحام النساء ولبثوا أربعين سنة لا يولد لهم ولد ، وقحطوا في تلك الأربعين سنة حتى هلكت أموالهم وأصابهم الجهد والبلاء ، ثم قال نوح : استغفروا ربّكم إنه كان غفّارا ، الآيات ... فأعذر إليهم وأنذر فلم يزدادوا إلا كفرا. فلمّا يئس منهم أقصر عن كلامهم ودعائهم فلم يؤمنوا بل قالوا : لا تذرنّ آلهتكم ، ولا تذرنّ ودا ولا سواعا الآية .. حتى غرّقهم الله وآلهتهم التي كانوا يعبدونها.
وسنذكر قصة صنع السفينة وحادثة الطوفان والغرق في سورة هود إن شاء الله تعالى.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام قال : عاش نوح ألفي سنة وخمسمائة سنة. منها ثمانمائة وخمسين عاما قبل أن يبعث ، وألف سنة إلّا خمسين عاما وهو في قومه يدعوهم ، ومائتي عام في عمل السفينة وخمسمائة عام بعد ما نزل من السفينة ونضب الماء فمصّر الأمصار وأسكن ولده البلدان. ثم إن ملك الموت جاءه وهو في الشمس فقال : السّلام عليك. فردّ عليه نوح وقال له : ما جاء بك يا ملك الموت؟ فقال : جئتك لأقبض روحك. فقال له : تدعني أتحوّل من الشمس إلى الظلّ؟ فقال له : نعم. قال فتحوّل نوح ثم قال له يا ملك الموت : كأنّ ما مرّ بي من الدنيا مثل تحوّلي من الشمس إلى الظل. فامض لما أمرت