المطر ، ليدلّنا على أنه لا يعجزه البعث والنشور وأنه على كل شيء قدير.
٥٨ ـ (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...) أي أن الأرض الصالحة التي تتوافر فيها العناصر الضرورية لنمو الزرع والنبات ، يخرج نباته أي كافة زروعه بسهولة ونشاط ويكون ناميا زاكيا بإذن ربه : أي خالقه ومالكه سبحانه وتعالى (وَالَّذِي خَبُثَ) من الأرض وكان ترابها خبيثا كالسّباخ والأرض الرملية وغيرها (لا يَخْرُجُ) زرعها ولا ينبت نباتها (إِلَّا نَكِداً) أي عسرا صعبا يظهر عليه الضعف والجفاف وليس فيه نضرة ولا ينتفع به (كَذلِكَ) أي على هذا الشكل من الخصب والجدب ، وإجراء العادات وطبائع الأشياء وخصوصيات الكائنات (نُصَرِّفُ الْآياتِ) نجري هذه الدلالات ونأتي بها ونرسلها وفق نظام حكيم (لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) أي للناس الذين يعرفونها ويشكرون الله على نعمه الكثيرة.
فما أعظم هذا المثل على ما أجراه الله من العادات وطبائع الأشياء ، إذ لو أراد وشاء لأخرج من الأرض النكدة أكثر مما يخرج من الأرض الطيّبة ولأمكنه ذلك ، ولكنه لفت نظر العارفين إلى ضرورة طلب الخير من مظانّه ، وعن ابن عباس والحسن ومجاهد : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر ، فأخبر بأن الأرض كلها جنس واحد ، إلا أن منها طيبة تلين بالمطر ويحسن نباتها ، ومنها سبحة لا تنبت شيئا ينتفع به ، وكذلك القلوب فكلها من لحم ودم ولكن منها الليّن للوعظ ومنها الجاف القاسي.
* * *
(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١)