إنّكم تدعون سميعا قريبا ، إنّه معكم. ـ وعن علي بن إبراهيم في تفسيره : قد صرح بالتضرّع والخفية لأن التضرع رفع الصوت ، والخفية السّر ، وهذا يعني : ادعوه سرا وعلانية (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) أي لا يحبهم في الدعاء أن يكونوا معتدين ، يعني : متجاوزين حدودهم ، كمن يصيح ويرفع صوته في دعائه ، وكمن يطلب منزلة الأنبياء والأولياء في دعائه ، فهو سبحانه يكره من تعدى الحدّ المقرّر في الدعاء وفي سائر الطاعات والعبادات.
٥٦ ـ (وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ...) تحمل هذه الآية الشريفة النهي عن العمل بالمعاصي في الأرض ، بعد أن أصلحها الله تبارك وتعالى بالنبيّين والمرسلين وأقام نظامها السويّ بعباده الصالحين. والفساد في الأرض يكون أكثر ما يكون إذا تناول إخافة المؤمنين وقتلهم. أو بظلمهم وظلم غيرهم. وفي المجمع عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام في هذه الآية قال : إن الأرض كانت فاسدة فأصلحها الله بنبيّه (ص) فيا أيها الناس إياكم وإفساد أمور عباد الله ، بل الجأوا إليه سبحانه ليهديكم سواء سبيله (وَادْعُوهُ خَوْفاً) من عقابه (وَطَمَعاً) في ثوابه ، وقيل : خوفا من عدله وطمعا في فضله. واللفظتان مصدران وضعا موضع الحال كما قلنا بالنسبة لتضرعا وخفية ، يعني ادعوه خائفين من عذابه طامعين بثوابه (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي أن عطفه ولطفه وثوابه قريب من مطيعي أوامره الذين أحسنوا إلى أنفسهم وإلى غيرهم فخلصت أفعالهم من الإساءة فكانت حسنة. وقد قال الزّجاج في تذكير لفظة : قريب ، هنا : إن الرحمة والغفران والعفو في معنى واحد ، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي ، وقال الأخفش : جائز أن يكون أراد بالرحمة هنا : النظر ، فلذلك ذكّره.
* * *
(وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ