مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي الحاضرين الناظرين لأخذ العهد المقرّين به. فليشهد بعضكم على بعض كيلا ينكر أحد في دار الدنيا هذا الإقرار الذي اعترفتم به في عالم الذر. وأنا أشهد عليكم جميعا به. ولكن .. مع الأسف قد نسي الكثيرون هذا العهد ، وأنكروا نبّوة محمد (ص) ونسبوه الى الجنون وحاربوه وآذوه أشد إيذاء بالرغم من أن ذات الله المقدسة كانت شاهدة عليهم حين أخذ الإقرار بالعهد في حضرة أنبيائهم ورسلهم.
والحاصل أن الخطاب في الآية الشريفة مع الأمم ، أما بواسطة أنبيائهم كما هو ظاهر بعض الروايات ، أو بلا واسطة كما بيّناه ، والعلم عند الله. والآية بالفعل من معضلات الآيات من حيث تركيبها ، ومن حيث صعوبة ما يستفاد منها وما يراد وقد قال سعيد بن المسيب : هذه الآية من مشكلات آيات القرآن ، وقد غاص النحويون في وجوه إعرابها وتحقيقها ، وشقوا الشعرة في تدقيقها ، ولا نراها في موضع أوجز لفظا وأكثر فائدة منها.
٨٢ ـ (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ ..) أي أعرض وأدبر عن الايمان بنبي زمانه وبكتابه ، وعن الايمان بمحمد (ص) لو أدركه (بَعْدَ ذلِكَ) بعد أخذ الميثاق الذي أقررتم به بين يدي الله تعالى وبين يدي أنبيائكم فمن فعل ذلك (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) الخارجون عن دائرة الايمان وحوزة الطاعة ووظائف العبودية ... وهذا في حد الكفر ، وفيه تحذير بليغ لأنه تكفير بلسان الكناية إذ المتمرد كافر أو مشرك.
٨٣ ـ (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ ..) يعني : أتطلبون دينا أحسن من دين الله وأنفع لكم وهو يجمع لكم خير الدنيا والآخرة؟ .. والاستفهام إنكاري ، أي لا يحصل ، بل لا يوجد لكم دين كدينه سبحانه. وقد قدم المفعول به لتوجه الإنكار اليه. ويستفاد من هذا الإنكار التسفيه لهم والتوبيخ والمقت. وقد قرأ أبو عمرو وحفص بلفظ الغيبة. أما الباقون فقرءوا بتاء الخطاب على تقدير : قل لهم ، أتريدون غير دين الله (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) وهذا الإسلام محمول على عالم الذر عند أخذ