يا جارة. (لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ) قرئ بكسر اللام : لما ، ومعناه : لأجل ما آتيتكم. وما : مصدرية ، أي لأجل إيتائي إياكم الكتاب والحكمة (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ) يعني : ثم لمجيء رسول مصدق لما بين أيديكم من كتب أنبيائكم ، وهذا يفرض عليكم تصديقه تصديقا لأنبيائكم بالذات ، (لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) واللام للتأكيد في وجوب الايمان به وفي نصرته والتدين بدينه وشريعته التي تنسخ الشرائع السابقة ، لأنها أتمّ الشرائع وأكملها ، ولذا لا يحتاج الناس بعده الى رسول ، ولا الى شريعة حتى قيام الساعة ، إذ في كتابه تبيان كل شيء لأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، وفيه جميع الأحكام التي يحتاج إليها الإنسان في أمور دنياه وآخرته بشرط أن يكون المفسّر له والمبين من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأهل البيت أدرى بالذي فيه. وهما أحد الثقلين : الكتاب والعترة ، ولن يفترقا حتى ورود الحوض على النبي (ص) في يوم النشور. أما الجهة في ضمّ أهل البيت الى القرآن فهي لأن بيان حقائقه لا يتيسر لغيرهم ولا يمكن إلا بهم ، ولذا لما سدّ بعض المسلمين باب الاجتهاد الذي هو الطريق لحصحصة الحق ، هلكوا وأهلكوا الناس الى يوم الدين ، وحملوا وزر ما فعلوه الى يوم ينفخ في الصور .. وقد ذكر سبحانه كيفية أخذ ذلك الميثاق على الأمم وقال : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي) يعني هل اعترفتم وقبلتم عهدي وميثاقي عليكم بالاستماع الى ما يأمركم به أنبياؤكم بعد أن تؤمنوا بهم وبكتبهم وبما جاؤوا به من عند ربهم ، وأن تؤمنوا بمحمد (ص) إذ أدركتموه ، وأن تنصروه إذا استنصركم؟ .. وهل ارتبطتم بما أخذتم من إصري ، أي عهدي الشديد المعقود عليكم؟ .. (قالُوا : أَقْرَرْنا) أي الأنبياء وأممهم أجابوا بالاعتراف ، على بعض الأقوال. وفي المجمع عن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : أأقررتم وأخذتم العهد بذلك على أممكم. قالوا ؛ أي الأنبياء وأممهم ؛ أقررنا .. إلخ .. فهذه الرواية تدل على أن الخطاب للأنبياء والأمم ذيلا لا صدرا (قالَ) الله سبحانه : (فَاشْهَدُوا ، وَأَنَا