نزول القرآن من القسم الأول عبّر عن القرآن بالتنزيل ، وكان نزول الكتابين المذكورين من القسم الثاني فبين بأنزل ، وهذا من الأمور المرموزة في القرآن الكريم وهذا الفرق منقول عن الزمخشري ، ولكنه مردود بقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.) والأحسن أن يقال : إن التضعيف في «نزّل» والهمز في «أنزل» كلاهما للتعدية ، لأن «نزل» فعل لازم في نفسه ، وإذا أريد تعديته يجوز نقله الى باب إفعال ، وتفعيل. والفعلان هنا جمعت الآية بينهما جريا على عادة العرب في افتنانهم في الكلام وتنويعهم فيه على وجوه شتى. ويؤيد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، وقوله في سورة يونس : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).
٤ ـ (مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ) .. أي من قبل نزول القرآن. ولما قطع عن الإضافة بناه على الضم. وموضع هدى نصب على الحال من التوراة والإنجيل ، أي هاديين للناس عامة ولقوميهما خاصة. وهذا هو الظاهر من الآية اقتضاء لتعقبهما به ، ويحتمل كونه حالا من القرآن الذي قدر مضافا اليه للنزول الذي هو مضاف اليه للظرف ، أي لفظة : قبل ، على ما بينّاه آنفا ، وإفراده يقوّي هذا الاحتمال ، والله هو الهادي الى أمثال هذا الإجمال. وقيل هو حال بعد حال من الكتاب ، والفواصل ليست بمانعة منه على ما بين في علم الأدب من العلوم العربية التي وضعت وصنّفت مثل هذه الاصطلاحات. (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) أي ما يفرق بين الحق والباطل. وعن القمي والعياشي عن الصادق عليهالسلام : الفرقان هو كل أمر محكم. والكتاب هو جملة القرآن الذي يصدق فيه من كان قبله من الأنبياء. وفي بعض النّسخ : يصدقه من كان قبله من الأنبياء. وقيل : المراد بالفرقان جنس الكتب السماوية فإنها بأجمعها تفرق بين الحق والباطل ، فهو من عطف العام على الخاص. أو المراد به القرآن على ما هو المشهور والمعروف في كتب التفاسير وألسنة العلماء .. وقد كرّر ذكره بوصفه المادح له تعظيما لشأنه ، لأن دلالات صفاته وإن كان الموصوف واحدا مختلفة ، وفي كل