عليهالسلام الى السماء وفقدان الأصل على يد أولئك المخترعين أو بلحاظ أنه حال من نفس الكتاب ، باعتبار ما فيه من الأخبار ، وما يتضمّن من الحقائق والحجج والبراهين الساطعة الدالّة على حقّانيته وصدقه وكونه كتابا إلهيا بحيث لا يشك فيه أحد ، ولا يرتاب فيه ذو مسكة ، وتحدّي النبي (ص) به دليل على ذلك. واعتبار الثاني يغني عن اللحاظ الأول ، لأن كون (بِالْحَقِ) حالا من الكتاب يلزمه أنّ التنزيل من عنده تعالى على ما لا يخفى ، فقد نزّله سبحانه بالحق (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ومصدقا نصب على الحال من الكتاب ، يعني أن هذا الكتاب يصدق ويشهد بأن الكتب السماوية المتقدمة عليه ، والتي نزلت على الأنبياء الماضين حق ، وما فيها صدق (وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) وقد ذكرهما من باب ذكر الخاص بعد العام الذي يتضمنه الكلام السابق. فالقرآن مصدّق لجميع الكتب السماوية ، ولا يختص ببعض دون بعض. ولعل وجه اختصاص ذكرهما هو كونهما أكبر وأكثر ما يحتويان من الأخبار والأحكام والحقائق ، ونحو ذلك مما كان يحتاج اليه الناس في عصريهما. كما أن حاجة الناس في عصرنا هي أزيد من حاجة جميع أهل الأزمنة السالفة. ولذا فصّل كتابنا ، وشرح أكثر من الكتب الماضية كما يقتضي قوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) إلخ .. وقوله : فيه تبيان كل شيء ، كناية عن أن فيه جميع ما يحتاج اليه الناس الى يوم القيامة ، ولهذا صار نبينا (ص) خاتم النبيين ، وكتابه خاتم الكتب السماوية ، وأوصياؤه ختمة الأوصياء ، بدليل أنه لو كان الناس يحتاجون الى بعث نبي آخر ، وتنزيل كتاب معه لأنزل ، ولكنه ما بعث ولا أنزل لعدم الحاجة بعد هذا القرآن الكريم والنبي العظيم. ولو كان غير ذلك للزم منع الفيض والرحمة بالمحتاجين ، وهذا عن الفيّاض المطلق قبيح لأنه ظلم وبخل وكلاهما محال عليه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .. فنستكشف عدمه.
والفرق بين التنزيل والانزال ، أن الأول يعني نزول الشيء نجوما ، أي في أوقات متعددة متعينة ، والثاني هو نزوله جملة واحدة ، ولما كان