والمائدة : من ماد يميد ، أي : تحرّك واضطرب ، وجاء بمعنى : أعطى. والمائدة هي خوان عليه طعام ، أي سفرة أكل تامة ، فعند ما طلب الحواريون من عيسى (ع) أن ينزل عليهم مائدة طعام مرتبة على خوانها (قالَ) لهم : (اتَّقُوا اللهَ) أي خافوا من غضبه لهذا السؤال غير المناسب بشأنه تعالى ، وتجنّبوا سخطه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ومصدقين به. وقد جاء هذا التحذير بلحاظ هذا السؤال الذي طلبوا به إنزال مائدة للاختبار ، دون حاجة إلى مائدة وطعام. ولذا طلب روح الله عليهالسلام أن يتقوا الله إن كانوا مؤمنين بقدرته تعالى وبنبوّته ، وأن يمتنعوا عن مثل هذا الطلب إن لم يكونوا شاكّين بربّه أو به. فأصرّوا على طلبهم كما ترى فيما يلي :
١١٣ ـ (قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها ...) قال الحواريون ـ مصرّين ـ إن سؤالنا لرفع الحاجة لا للامتحان حتى يقرح ذلك في إيماننا بالله تعالى أو في التصديق بنبوّتك ورسالتك ، فإن الإنسان إذا اطمأنّ بوصول رزقه إليه بحيث لا ينقطع ، يسكن قلبه ويستريح من ناحية هي أمّ نواحي حياته. ولذلك قالوا : نريد أن نأكل منها (وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا) أي ترتاح وتهدأ من هذه الناحية الحياتيّة. وهذا يزيد في ترسيخ إيماننا عند مشاهدتها تنزل من السماء (وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا) أي يحصل لنا العلم بأنك صادق في رسالتك من عند رب العالمين ، بدليل سرعة استجابة دعائك في هذا الموضوع الذي اقترحناه (وَنَكُونَ عَلَيْها) أي على المائدة (مِنَ الشَّاهِدِينَ) الحاضرين الذين يرونها نازلة من السماء ، ويشهدون على ذلك أمام من لم ير نزولها ولا أكل منها ، وتكون ـ هي ـ شاهدا لهم بوحدانية الله وقدرته ، وعلما من أعلام رسالتك.
فلمّا انتهى القوم من تفصيل سبب طلبهم للمائدة ، واطمأنّ إلى صدق نيات حواريّيه وأنهم لا يريدون الاختبار الكاشف عن عدم الإيمان ، بل طلب المائدة للاحتياج وسدّ الجوع :
١١٤ ـ (قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : اللهُمَّ رَبَّنا ...) فبعد ما تبينّت النّيات ،