سبحانه الميسر الذي هو القمار كله ويدخل فيه الشطرنج والنّرد والأربعة عشر والكعب وغير ذلك مما يتقامر به الناس ومما يعرف في كل زمان ومكان. (وَالْأَنْصابُ) عدّها سبحانه في جملة ذلك ، وهي جمع : نصب ، بمعنى الصنم ، أي المنصوب للعبادة الشيطانية الجاهلية بيد أعوان الشيطان (وَ) كذلك (الْأَزْلامُ) جمع : زلم ، وهي السهام كتب على بعضها : أمرني ربّي ، وعلى بعضها : نهاني ربّي ، يطلبون بها معرفة ما قسم لهم من الخير والشر في الغزو والسفر والتجارة وغير ذلك. وقد فصّلنا القول في هذا الموضوع فيما سبق من الكلام عن القداح. فقد اعتبر الله تبارك وتعالى أن هذه المذكورات (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فهي نجسة دنسة ملازمة للحرمة كلها. وكون الرجس من عمل الشيطان هو أن عمله يرمي إلى ما يجر إلى غضب الرحمن لأنه أخذ على نفسه إضلال الناس وجرهم إلى المعاصي والمفاسد .. والله عز اسمه يحرص على المؤمنين به ويريدهم مخلصين من كل شائبة ويقول : دعوا هذا الرجس الدنس النجس فإنه من عمل الشيطان (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي رجاء فوزكم ونجاحكم وصلاح أمركم في الدنيا والآخرة.
٩١ ـ (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ ...) أي أن الشيطان يقصد إثارة العداوة بينكم (وَ) يريد زرع (الْبَغْضاءَ) في قلوبكم ، وهي العداوة الشديدة (فِي) تعاطيكم (الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) الملازمين لإثارة العداوة والبغضاء كما يعرف ذلك الشاربون للخمر واللاعبون في القمار وجميع من يزاولون هذه المفاسد التي تؤدي في كثير من الأوقات إلى الشتم والضرب والقتل وارتكاب الجرائم العظيمة. فالملازمة بين هذه المفاسد وبين العداوة والبغضاء ، ملازمة كأنها نوعية بحيث ترى هذه مع هذه في كل حال. وعبارة : في الخمر متعلقة ب : يوقع ، أي الشيطان. والشارب يعلم أن البذاءة والتلاعن والأذى والعربدة والمشاجرة كلها لا بد منها أثناء السكر والمقامرة والمراهنة وغيرها ، وليست قصة الأنصاري الذي شجّ سعد بن أبي وقاص بلحي. الجمل في حال سكرهما ، بغريبة عن أذهان المطّلعين .. أما المقامر فيقامر على ماله وعلى بيته ، وبنته ، وزوجته .. أفلا يثير ذلك العداوة والبغضاء بين المرء وصاحبه ، وبين