استفهام إنكاريّ ، أي أنها إنكار لعدم الإيمان مع وجود موجبه وهو يدل على شدة رغبتهم ومزيد ميلهم للدخول في ما دخل فيه المؤمنون ، بدليل قولهم : (وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) فإن طمعهم يفسّر رغبتهم الشديدة بأن يكونوا في صف صالحي العباد ، فقال جلّ كرمه عنهم :
٨٥ ـ (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ ..) الفاء عاطفة تدل على ترتيب الأثر من جانب ساحته القدسية على إيمان هؤلاء ، فقال تعالى بأنه كتب لهم ثواب خلوص نيّاتهم في توحيدهم وامتثالهم لأمر رسوله ، وما وعد به الصالحين ، إذ أعدّ لهم (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) يدخلونها بإيمانهم الصادق ، ويكونون (خالِدِينَ فِيها) إلى أبد الأبد ، يتنعّمون برحمته (وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) من عباده الموحّدين المخلصين في القول والعمل.
ثم بيّن سبحانه الفرق الذي لا تصح فيه المقابلة بينهم وبين الكافرين والمعاندين بقوله :
٨٦ ـ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا ..) قد ذكر سبحانه حال المصدّقين في الآيات السابقة ، ثم عقّبها حالا بذكر حال المكذبين الذين أصرّوا على الكفر فقال عنهم : (أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) أي سكان النار الموقدة المسعّرة التي أعدت للكافرين. وفي هذا ترغيب وترهيب لمن كان يلقي السمع ويعمل الفكر ، ويخشى سوء العاقبة ويطمع في حسن الثواب.
* * *
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨))