٨٧ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ..) أي لا تكفّوا وتمنعوا أنفسكم عن المستلذّات التي جعلها الله حلالا لكم (وَلا تَعْتَدُوا) تتجاوزوا حدود الله من الحلال والحرام فتستصوبوا ما شئتم بحسب تقديراتكم (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) بل يكره من يتعدى حدود ما أنزله على عباده.
وقيل في شأن نزول هذه المباركة أن النبيّ صلىاللهعليهوآله وصف القيامة وصفا بليغا ، فهمّ قوم من أصحابه أن يلازموا الصيام والقيام ويجانبوا الفراش والنساء واللحم ويتعبدوا ليلا ونهارا. فبلغ ذلك النبيّ (ص) فقال لهم : إني لم آمركم بذلك. إنّ لأنفسكم عليكم حقا. فاني نبيّكم ، أقوم وأنام ، وأصوم وأفطر ، وأكل اللحم وآتي النساء ، فمن رغب عن سنّتي فليس مني. فنزلت الآية : ولا تعتدوا : أي لا تتجاوزوا ما سنّ لكم النبي الكريم (ص) لأن عدم حبّ الله للمعتدين يعني بغضه لهم ومعاقبتهم على اعتدائهم فإن تغيير الحكم بدعة ، وكل بدعة ضلالة على ما هو المراد في المقام.
٨٨ ـ (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً ..) [حلالا : نصبت على أنها صفة لمصدر محذوف ، أي كلوا أكلا حلالا مما رزقكم الله ، أو هي حال من : ما ، مبيّنة لا مقيّدة إذ الرزق الذي أعطاه الله لعباده كله حلال ، وفائدتها أن الحلال لا معنى لاجتنابه. نعم لو كان ما رزقه الله قسمين ، فلهم أن يجيبوا النبيّ (ص) بأننا ظننّا أن الرزق قسمان ، وأن الرزق الذي اجتنبناه حرام ، ولكنهم قبلوا اعتراض النبي (ص) ورجعوا عن طريقتهم فورا بلا كلام إذ يعلمون أنه محلل لا حرام فيه ، عملا بسنّته الشريفة وبأمر الله تعالى أن يأكلوا مما رزقهم حلالا طيّبا : أي طاهرا من كل شبهة زاكيا مستلذا تميل إليه النفس وتهواه] (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي اعملوا بأوامره ونواهيه لأنكم مؤمنون به.
* * *