يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) ، مع أنه صلىاللهعليهوآله لا يحتاج إلى مثل هذا النهي الذي ضربه الله تعالى مثلا لغيره ، وهو من الباب : إياك أعني واسمعي يا جارة ، ومن أجل إصلاح شأن الأفراد والمجتمع. وهذا ـ على كل حال ـ نهي تنزيهيّ لا تكليفي ، لأنه (ص) أنفق أموال السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها ـ على الفقراء والمساكين وفي مصالح الإسلام بعد أن وهبته إياها قربة إلى الله وإليه (ص).
هذا ، والكلام يجر إلى الكلام أحيانا من أجل الإيضاح والبيان ، فقد قالت اليهود ـ وبئس ما قالت ـ إن يد الله مغلولة فردّ الله سبحانه ردا يخزيهم : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وهو يقدّم ويؤخّر ويزيد وينقص وله المشيئة والقضاء ، وله البداء في كل حال. وحاصل كلام اليهود هو عدم قبولهم البداء وأنه سبحانه يفعل ما يشاء ، دون تقدير سابق ، فقال مستدركا : بل يداه مبسوطتان ينفق من خزائنه التي لا تنفد ما يشاء ، ويفعل ما يريد حين يريد وكما يريد ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .. وفي العيون عن الرضا عليهالسلام ، في كلام له مع سليمان المروزي في إثبات البداء لأنه كان ينكره ، قال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب؟ قال : أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود؟ قال (ع) ، قالت يد الله مغلولة ، يعنون أن الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا ، إلخ ...
أجل ، قالوا ذلك بجرأتهم الوقيحة على الله تعالى ، فأتبع الله سبحانه قولهم بقوله : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ ، وَلُعِنُوا بِما قالُوا) وهذا دعاء عليهم منه تعالى بالبخل والتقتير والنكد ، ولذلك كانوا من أبخل خلق الله. ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغلّ الأيدي حقيقة ـ في الدنيا فهم أسارى منبوذون مشرّدون لا يستقرّ لهم أمر ولا سلطان ـ وفي الآخرة بالأغلال في النار. كما أنه يجوز أن يكون إخبارا بأنهم ألزموا البخل ولعنوا من جانب الذات القدسية وأبعدوا من رحمته لقولهم الوقح : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) وتثنية اليدين في الآية الشريفة بالنسبة إليه تعالى ، ليكون الإنكار أبلغ وليدل على إثبات غاية السخاء ، إذ غاية الكرم أن يعطي المرء بيديه ، وحاشا الله سبحانه عن اليد والعضو والجسم ، وهو (يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ) طبق