مثلنا ، وما من أحد من ذوي العقل يحسب ذلك مدعاة للنقمة ، إلّا أنتم فإنكم نقمتم لأننا مؤمنون (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ) فلا ينتظر منكم إلّا ذلك لأن الفاسق خارج عن المبادئ الدينية والخلقية لا يبالي بما يقول ولا بما يفعل ولا بما يقال فيه لأنه يطلق لهوى نفسه العنان.
وبعد هذا التساؤل والتعجب أمر سبحانه نبيه (ص) أن يفضح ما هم عليه من الخرق والحمق والكفر ، ويكشف أمثولتهم وسيرتهم في الدنيا والآخرة ، وأن يقول لهم مظهرا حقيقة ما هم عليه :
٦٠ ـ (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ ..) أي إنكم تنقمون علينا إيماننا بالله ورسله وكتبه ، فهل أخبركم بأسوأ من هذا (مَثُوبَةً) وأجرا (عِنْدَ اللهِ) يوم القيامة؟ وقد وضع المثوبة سبحانه مكان العقوبة هنا ، للتهكّم عليهم والسخرية منهم ، لأن المثوبة تختص بالخير كاختصاص العقوبة بالشر ، وهذا الأسلوب متعارف بين بلغاء العرب والعجم ، إذ يقال للزنجىّ كافور ، ويقال للكافور فحم ، من باب المبادلة للتهكّم أو للتعجب. فالله تعالى أقام القرينة على أن المراد بالمثوبة هو العقوبة. ولفظة : مثوبة ، منصوبة على التمييز.
فقل لهؤلاء الكفرة يا محمد : إن أسوأ من الكل مثوبة ، وأعظم عقوبة (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ) أخزاه وأبعده من رحمته (وَغَضِبَ عَلَيْهِ) أي : سخط عليه لكفره وسوء سريرته .. ثم بيّن سبحانه ذلك الملعون إذ عنى به اليهود الذين لعنهم وغضب عليهم (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ) حين مسخ أصحاب السبت منهم ، كما عنى كفرة المسيحيين إذ مسخ الكفار بمائدة المسيح خنازير. فذلك هو الذي يكون أقسى عقوبة لأنه كفر (وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) أي الشيطان والجبابرة والظّلمة و (أُولئِكَ شَرٌّ مَكاناً) لأنهم من أهل جهنم (وَأَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) وأكثر ضياعا عن طريق الحق .. وصيغتا التفضيل : ـ شر ، وأضلّ ـ لم تقعا للزيادة بالنسبة للمؤمنين ، بل هما للزيادة مع الكافرين والجاحدين.
٦١ ـ (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا ..) يتكلم عزّ اسمه عن منافقي اليهود ،