٥٢ ـ (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ..) والمراد بالمرض هو النفاق وعدم سلامة القلب منه. والنفاق مرض أشد من مرض الكفر ، والمرضى به كانوا كثيرين في أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله وهم الذين كانوا يضمرون النفاق والخبث ، ولكن المراد به هنا خاصة هو عبد الله بن أبيّ وأضرابه ممن أظهروا نفاقهم فحكى كتاب الله عنهم ، ووصفهم بأنهم كانوا (يُسارِعُونَ فِيهِمْ) أي يبادرون ويجدّون في معاونة اليهود وموادّتهم والتقرب منهم و (يَقُولُونَ نَخْشى) أي نخاف (أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) والدائرة أصلها من الدّور الذي هو التحرك إلى ما كان عليه أو إلى حيث كان ، ولذا نرى الملك والقدرة في طول الدهر يدوران فنقول : هما من الأمور الدوّاريّة :
فيوم عند فخار |
|
ويوم عند بيطار |
ويوم عند فهّام |
|
ويوم عند علّام |
ولذا يعبّر عن ذلك بالدائرة. فقول أصحاب النبيّ الذين يضمرون النفاق : نخشى أن تصيبنا دائرة ، يعني نخاف أن تحلّ بنا مصيبة ، وأن يجيء زمان صعب يعيد أمر الإسلام إلى العكس ، لأن الملك كان يومئذ بيد اليهود فأظهروا أنهم خافوا من ذلك ورأوا المصلحة في عدم قطع ارتباطهم بهم. وهذا الاعتذار كان نفاقا وتسويلا وتضليلا لبقية المؤمنين من أصحاب رسول الله (ص) بقصد إضعاف إيمانهم واندفاعهم مع دعوة الرسول (ص) ولكن الله سبحانه كشف أمرهم ، وسفّه رأيهم وخاطب المؤمنين المخلصين بقوله المقنع : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) لرسوله (ص) .. وهذه بشارة بالفتح تحملها لفظة : عسى ، التي تتضمّن منّا معنى الدعاء ، وتحمل منه سبحانه معنى التنويه بالفتح (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) أي : أمر يكون فيه إعزاز المؤمنين وإذلال المشركين .. فيها أيها المنافقون ، إذا كنتم مع الكافرين والمشركين باطنا ، وحملتم هذه الأفكار الخبيثة من جهة ثانية ، فإن القضية ذات وجهين ، فلما ذا رجّحتم طرف اليهود وطرحتم جانب المؤمنين؟ .. ويا أيها المؤمنون : انتظروا الفتح أو أيّ أمر آخر يذل اليهود ويقهر المنافقين ويخذلهم (فَيُصْبِحُوا) يصيروا (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) ما أضمروه من الخبث