أحد من الكافرين (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي لا تملّ مع ميولهم الفاسدة (عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) فقد أصبحت ـ كقرآنك ـ مهيمنا عليهم ، ومختارا في حكمك ، فاحكم بما أمر الله تعالى به «ولكل منكم جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» الخطاب عام للأمم طراّ ، بأن الله قد قرّر لكل امة نظاما وأحكاما وطريقة. والشريعة لغة ـ هي الطريق إلى الماء ، وقد استعملت في الأحكام الشرعية لمناسبة أنها مجموعة سنن للبشر ، وكما تؤدي الشريعة إلى الماء الذي يحيي الأجسام وينعش الأرواح لأنه سبحانه جعل من الماء كل شيء حي ، فكذلك شريعة الأحكام تحيي القلوب وتريح الأبدان بما تجلبه لها من الاطمئنان للدنيا والآخرة.
ولا يخفى أن تنوين لفظة : كلّ ، جاء عوضا عن مضاف إليه محذوف مقدر ، وهو : أمة. فالله عزّ وعلا ، قد جعل لكل أمة شرعة تنير لها درب حياتها وتجعلها على بصيرة من أمرها في عاجل دنياها وآجل آخرتها .. أما الفرق الذي قال به ابن عباس ، وهو أن الشرعة هي القرآن ، والمنهاج هو ما في الروايات النبوية ، ففرق غريب فيه غلط واضح وإسناده إلى ابن عباس غير صحيح.
(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) يعني لو أراد لجعلكم متفقين على دين واحد ، لا ينسخ أبدا (وَلكِنْ) جعلكم أمما مختلفة الأديان (لِيَبْلُوَكُمْ) يختبركم ويعرف المطيع من العاصي (فِي ما آتاكُمْ) أنزل إليكم من الشرائع المختلفة التي أرادها سبحانه ـ بكرمه ورحمته لعباده ـ مختلفة لتلائم كلّ شريعة عصرها التي نزلت فيه ، فيعرف عزّ اسمه المصدّق من المكذّب في كل زمن وكل أمة (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي بادروا ـ أيها المؤمنون ـ وسارعوا إلى مزاولة كل ما هو خير لكم من عند ربكم ، وقوموا بالأعمال الصالحة كلّها من الواجبات والمندوبات ، وانتهزوا فرصة العمر وتزوّدوا بالخير ، لأن (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) معادكم وحسابكم وثوابكم وعقابكم (جَمِيعاً) بلا استثناء أحد. وفي هذا حثّ على التسابق إلى عمل الخير ومزاولة العمل الصالح ، إذ مرجع الكل إليه تعالى ، والفائز هو من ينجح في الامتحان عند البعث والنشور ، يوم يجمعكم الله بأمره (فَيُنَبِّئُكُمْ) يخبركم (بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) أي بحقيقة ما كنتم تتنازعون بشأنه من اختلاف العقائد ، واختلاف الأعمال.