والمتجنّب لجميع ما يكرهه. فالتنويه بهم دون غيرهم يدل على أن جميع أوصاف التسليم والتصديق والإيمان ينتهي إلى التقوى بما في ذلك التائبون والمنيبون ولعله لا يفوق المتقين إلّا الصدّيقون الذين يعرضون عن غير الله في قولهم وفعلهم ، خوفا من ضياع ساعة من العمر ينفقونها فيما لا فائدة منه. فأولئك يلتزمون بما أوجب ، وبما أحب ، وبما ندب إليه من الطاعات ، ومنهم الأولياء المطيعون ، والأبرار الأتقياء ، والله أعلم.
٤٧ ـ (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ ..) في الشريفة أمر تهديدي منه جلّ وعزّ لأتباع عيسى (ع) بأن لا يتجاوزوا الإنجيل في أحكامهم ، وأن يلتزموا بما فيه. ثم أنذرهم بقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) وهذا تنديد ووعيد وتعريف لمن حكم بغير ما أنزل الله بالفاسق : أي الخارج عن طريق الحق والصلاح. فالفاسق من خرج عن طريق الرحمان ومشى في طريق الشيطان لعنه الله ، ومعناه أنه يتّبع هواه ويعصي مولاه.
ففي الآية الكريمة أمر سبحانه النصارى بالحكم بما في الإنجيل كما أمر اليهود بالحكم كما في التوراة ، ثم هدّد كلّ من غيّر وبدل ونعته بالكفر والفسق.
٤٨ ـ (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً ..) ثم لمّا تكلم عن اليهود والنصارى وذكر كتابيهما المقدسين ، خاطب نبيّه الكريم محمدا صلىاللهعليهوآله يبيّن له أنه أنزل عليه الكتاب : أي القرآن المجيد ، بالحق : يعني بدين الحق الذي لا ريب فيه ، وجعله (مُصَدِّقاً) مكرّسا وموافقا (لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ) أي التوراة والإنجيل وما سبقهما من الكتب السماوية. ولفظة : الكتاب ، تعني الجنس والكتب جميعا. فالقرآن الكريم جاء موافقا على الحق الذي في كل كتاب سماوي (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) أي متسلطا عليه ومحتويا له ، ومراقبا ، ومحافظا ، وشاهدا عليه وعلى أصله غير المحرّف إما بالنصّ وإما بالتفسير والتأويل والتقديم والتأخير. وقد حصل ذلك لها كلها ، باستثناء القرآن المحفوظ عن التغيير في جميع الجهات بشهادة منزله تبارك وتعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ..) فيا محمد أن كتابك بهذه المنزلة السامية (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) لك فيه من أحكام دون خوف من