فهو سبحانه وتعالى ينبّهنا ـ في هذه الشريفة ـ إلى أن أقوالنا وأعمالنا من الخير أو الشر مضبوطة عنده ، وعما قريب يخبرنا بها كلها ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. فيجزي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ..
وقد قال الإمام الباقر عليهالسلام في قوله تعالى : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) : أي في إصابة القول ، وكلّهم هالك إلّا من رحم ربّك وهم شيعتنا ، ولرحمته خلقهم .. وإن قوله هذا ـ سلام الله عليه ـ لبشارة عظيمة للشيعة ، فنسأل الله من فضله أن يجعلنا من شيعتهم.
٤٩ ـ (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ ..) قد مرّ تفسير شبيهتها باللفظ والمعنى قبيل صفحات من هذه السورة المباركة ، ولن نذكر هنا إلّا تأكيده سبحانه على النبيّ (ص) أن احكم بالقرآن بمقابل الكتب المحرّفة دون أن تخشى أي خطر من المشركين «و» لكن (احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ) أي انتبه إلى مكرهم وغدرهم ومحاولاتهم في اختبارهم إياك لتحويلك (عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ) أي عن أي شيء مما أوحى به تعالى إليك من الأحكام (فَإِنْ تَوَلَّوْا) انصرفوا عنك وعن أي حكم تحكم به (فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) فإنهم ذوو ذنوب كثيرة ، وتيقن يا محمد أن تولّيهم سيكون سببا لأن يفجأهم ويضربهم فيؤذيهم ببعض تلك الذنوب (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ) أي خارجون عن طريق الحق والصلاح ومنغمسون في الكفر والفساد. ويستفاد أن هذه الفئة كثيرة بين الناس بدليل تأكيد هذه الآية الشريفة مكرّرا ..
ولن يفوتنا إلفات النظر إلى أن الجملة : وأن أحكم بينهم ، يحتمل أن تكون عطفا على الكتاب ، أي : أنزلنا إليك الكتاب للبيان لهم ، والحكم بينهم. وقيل إنها مستأنفة ، أي بتقدير : أمرنا أن احكم بينهم.
أما جملة : أن يفتنوك ، فجملة مصدرية ، وهي بدل اشتمال من هم. أي : احذر أهواءهم وفتنتهم إياك.
وقيل في وجه نزول هذه الشريفة : ولا تتّبع أهواءهم إلخ .. أن أحبار اليهود