٣ ـ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ...) هذه الشريفة بيان لعبارة : ما يتلى عليكم ، التي في الآية الأولى. فقد تلا سبحانه علينا من المحرمات : البهيمة التي تموت حتف أنفها ـ أي دون ذبح وتذكية ، فقد كانوا يأكلونها فحرّمها هي والدم المسفوح عند الذبح وقد كانوا يجمعونه من الذبيحة بعد فصدها ويجعلونه في الأمعاء ويطبخونه ويقدمونه للضيف كطعام عزيز ، ثم حرم ما لا يقبل التذكية ، كالخنزير الذي يحرم أكل أي شيء منه. وقد اختص الله تعالى اللحم بالذكر في الآية لأنه كثير النفع ولأن الحيوان يستفاد من جلده وشعره ونحوهما. ولو سئل ـ مثلا ـ عن اختصاص الخنزير بالذكر دون الكلب مع أنهما من باب واحد في الحرمة ، لقلنا إن الكلب ليس بكثير اللحم ولا اعتاد الناس على أكل لحمه بخلاف الخنزير السمين القابل للتربية والاستفادة بلحمه بزعم من يأكل لحمه ، ولذا عبّر سبحانه عن حرمته بحرمة لحمه مع أنه حرام ونجس بجميع ما يستفاد منه.
«و» حرّم أيضا (ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي ما ذكر عند ذبحه غير اسمه تعالى كقول أهل الجاهلية : باسم اللات ، أو بالعزّى ، أو غيرهما من أسماء الأصنام التي كانوا يعبدونها. والإهلال هو رفع الصوت ، ومنه يقال : أهلّ الصبي عن الولادة أي بدا صوته مرتفعا .. «و» حرمت (الْمُنْخَنِقَةُ) أي التي خنقت وشدّ الحبل في عنقها حتى تختنق وتموت ، سواء أخنقوها عمدا أم اختنقت وحدها (وَالْمَوْقُوذَةُ) التي ضربت حتى ماتت فإذا ماتت أكلوها ، (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) التي تردّت ، أي وقعت عن صخرة أو سطح أو في بئر ثم ماتت من التردّي (وَالنَّطِيحَةُ) التي نطحها كبش أو بهيمة مثلها فماتت من النطح. وقد كانوا يناطحون بين الكباش ويأكلون الكبش النطيح (وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) والمراد به فريسة السّباع من الحيوانات المفترسة ، فقد كانوا يأكلون ما فضل عن السبع بعد قتلها وأكله منها. فقد نهى الله تبارك وتعالى عن أكلها إلا بشرط تقع فيه الحلّية إذا كانت قابلة للتذكية التي أناطها بها وحدّدها بأنواع يجمعها أن ندرك