١٣٣ ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ..) أي أنه إذا أراد سبحانه أن يفنيكم ويخليّ الأرض منكم (وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) يجيء بغيركم بدلكم ، ويخلق سواكم من الناس ـ فلا مانع يحول دون إرادته ومشيئته (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً) أي قادرا على التبديل والتغيير. يعني يفنيكم ويخلق غيركم لأنه في غاية القدرة على ذلك ، لا يمنعه عن ذلك مانع. وإنه تعالى ـ حين يبقيكم على ما أنتم عليه من العصيان والتمرد ـ إنما يدعكم لكمال غناه عن طاعتكم ، لا لعجزه سبحانه عن إفنائكم وإيجاد بديل عنكم ، وتعالى الله علوّا كبيرا عن الاتّصاف بالعجز. والآية الكريمة تدل على تمام قدرته وكمال تمكّنه ، وعلى غاية صبره عن العصاة الذين لا يعجل في مؤاخذتهم لأنه لا يخاف الفوت. وفي الحديث : لا أحد أصبر من الله على الأذى. إنه تعالى يشرك به ويجعل له الولد ثم هو تعالى يعافيهم من البلايا ، ويرزقهم في الجدب والمحل.
١٣٤ ـ (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا ..) كالمجاهد الذي يطلب الغنيمة من وراء جهاده مثلا فهو يرغب بالكسب المعجّل في الحياة. فمن كان يريد ذلك يقول الله تعالى له : (فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا) يعطيه إياه (وَ) عنده ثواب (الْآخِرَةِ) أيضا. فثواب الدارين بيده سبحانه فليطلبهما منه فذلك أحسن عنده لأن الله يحب أن يطلب منه الكثير ، ولا ينبغي أن يطلب منه إلّا الكثير لكرمه. وهو ـ جلّ وعلا ـ يطلب منه الأشرف والأبقى والأكثر والأرفع لا الأخسّ ولا الأدنى. وقد قال تعالى في مكان آخر : من كان يريد حرث الدّنيا نزد له في حرثه ، يعطيه ويزيده بمقدار ما يصون كرامته ويزيده ونلفت النظر الى أن طلب الدنيا غير ممنوع على المؤمن ولا محرّم عليه. بل ينبغي له أن يطلب من الله تعالى ، ليعطيه ما يصون كرامته ويحفظ حرمته بين الناس ، لأن المؤمن عزيز على الله وهو سبحانه يحب له الكرامة بين الناس. يدل على ذلك ما في الكافي عن الصادق عليهالسلام ، حيث قال : من كانت الآخرة همته ، كفاه الله همته في الدنيا. ومن أصلح سريرته ، أصلح الله علانيته. ومن أصلح فيما بينه وبين الله ، أصلح الله فيما بينه