عقلائي ، بل هو رجم بالغيب وتصور باطل ، ولذا قال سبحانه : (وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي أنهم غشوا أنفسهم في دينهم الذي كان ينبغي أن يدينوا به ، وخالفوه عنادا وإلحادا ، ومشوا مع أهوائهم وعصبياتهم ضلالا وأنفة من أن يذعنوا للحق ، ومضوا يتصورون وهمهم هذا حقيقة فجاء ختام الآية الشريفة يكذّبهم ويبطل زعمهم في أن النار لن تمسهم إلا أياما معدودة.
٢٥ ـ (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ ..) أي فكيف حالهم ، وما هو مقالهم إذا جئنا بهم يوم القيامة وطالبناهم بوعدهم هذا لأنفسهم؟ .. وكيف : اسم مبهم مبني على الفتح ، والغالب فيه كونه للاستفهام كما فيما نحن فيه. والسؤال هنا عن الحال ، أي حال هؤلاء الذين يساقون الى العذاب. وفيه بلاغة واختصار وإيجاز مفيد ومعناه : أي حال تكون لمن اغترّ بالدعاوى الكاذبة والمزاعم الفاسدة وقت الجمع والحشر بعد الموت (لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) ولا شك في وقوعه من أجل الجزاء لدى أي عاقل يملك النظر المنصف. والدال على الجزاء هو اللام في : ليوم ، ولولاه لم يدل على الجزاء شيء. وهذا نظير قولك : جئتك ليوم الجمعة ، أي لما يكون في يوم الجمعة من طاعات وعبادات وأدعية وتزاور. أما إذا قلت : جئتك في يوم الجمعة ، فإنه لا يستفاد هذا المعنى. وهذه الرموز من لطائف القرآن الدقيقة. وروي أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفر هي راية اليهود ، فيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ، ثم يأمر بهم الى النار .. فكيف بهؤلاء المنافقين إذا جئنا بهم يوم القيامة للحساب (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ) أي جوزيت جزاء وافيا موافقا لما كسبته في دار الدنيا ، ثم كان عذاب جهنم جزاء لما قدموا فزجوا في النار على ذلك الإصرار العنيد (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ولا ينقص من ثوابهم ، ولا يزاد في عقابهم مثقال ذرة؟ ...
* * *