رسول الله صلىاللهعليهوآله دخل يوما مدرسهم فدعاهم ، فقيل له : على أي دين أنت؟ .. قال (ص) : على ملّة إبراهيم عليهالسلام. فقالوا : إن إبراهيم كان يهوديا. فقال (ص) : إن بيننا وبينكم التوراة. فأبوا أن يحاكمهم الى التوراة! .. وقيل : ليحكم الكتاب بينهم في نبوة محمد صلىاللهعليهوآله .. (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) أي ينصرف بعد دعوتهم الى كتاب الله ليحكم بالحق ، لأنهم جعلوه وراء ظهورهم واستقبلوا الدعوة بالعناد والكفر. وهذا عمل طائفة منهم فعلته استكبارا وتهاونا بكتاب الله الذي دعوا للاحتكام به ، أو بشأن النبي (ص) جهلا منهم وضلالا عن الحق ، وفريق منهم بقرينة المقابلة والتخصيص كانوا سلما أو لا معارضين ولا مسلمين ، بل مترددين الى أن ينكشف الأمر لهم فيخرجون من التردد .. فقد تولى فريق منهم وبدوا (وَهُمْ مُعْرِضُونَ) منصرفون عن الاحتكام الى الكتاب.
وإن قيل : ما الفائدة من قوله تعالى : «معرضون» بعد قوله : (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) والتولي والاعراض واحد كما رأينا في سورة البقرة؟ .. فالجواب : أن التولي يكون عن الداعي ، والاعراض يمكن أن يكون عما دعاهم اليه وهو كتاب الله. بل نقول : إن الاعراض كان قبل الدعوة ، والتولي عنه صلىاللهعليهوآله كان بعد دعوتهم والواو في الجملة الاسمية هنا للحال. وحاصل المعنى أنهم حال كونهم معرضين عن الله والرسول وعما جاء به لأنهم كانوا في ضلالتهم وعنادهم ، دعاهم فتولوا عنه وأدبروا عنه وعن دعوته (ص).
٢٤ ـ (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ ..) أي أنهم زعموا أن النار لن تصل إليهم وتلامس أجسادهم (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) أي قلائل يمكن حصرها بالأيام التي عبدوا فيها العجل ، وهي سبعة أيام ، وقيل أربعون يوما. وقيل إنما هي أيام قليلة منقطعة الآخر في قبال الخلود ، والأول أظهر فقد ادّعوا أنهم يعذبون عذابا ينتهي ويخلصون منه ، وهذه دعوى بلا رهان