بسبب ما يفعلونه من النفاق والصدّ عنك (ثُمَّ جاؤُكَ) أتوا إليك بعد وقوعهم في المصيبة (يَحْلِفُونَ بِاللهِ) يقسمون الإيمان بالله ـ كذبا وزورا (إِنْ أَرَدْنا) أننا ما كنّا نريد ونطلب (إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) وما رغبنا في المحاكمة عند غيرك إلّا طلبا للتوفيق فيما بيننا وتخفيفا عنك نحسن إليك به ، وإبعادا لك عما يثير الضغائن والأحقاد ... فنحن نطلعك يا محمد على ما لا ينبغي أن يخفى عليك من نفاقهم ولقلقة ألسنتهم وأعذارهم الواهية الكاذبة.
٦٣ ـ (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ ...) أولئك : يشير بها سبحانه الى المنافقين الذين تكلّم عنهم في الآيتين السابقتين ، فهو تعالى يعرف ما في قلوبهم من النفاق والعناد لك ولدعوتك (فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) أشح بوجهك عنهم ، ولا تعاقبهم على فعلهم لمصلحة استبقائهم في صف دعوتك ، فلربما حملوا ذلك على خوفك منهم (وَعِظْهُمْ) فإن الموعظة تدل على عدم الخوف من تصرفاتهم ومنهم ، بل هي دليل على السّلطة عليهم باعتبار أن الواعظ أكمل من الموعوظ كما لا يخفى (وَقُلْ لَهُمْ) تلك الموعظة (فِي أَنْفُسِهِمْ) أي في حال كون المجلس خاليا من الأغيار ، بحيث يكونون وحدهم إذ النّصح يكون سرّا فيكون أشدّ تأثيرا من القول جهرا ، وربما أنتج القول جهرا خلاف المقصود ، والسرّ ينتج (قَوْلاً بَلِيغاً) أي قولا قويا في بلاغته ، يبلغ قلوبهم ويؤثر فيهم ، كالموعظة البالغة ، أو كتخويفهم بالقتل والاستئصال أن ظهر منهم نفاق فيما بعد ، وكغير ذلك.
* * *
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ