البائنة ـ البائنة ـ فقد سمّيت بذلك لأنها تبان عن المال ، أي تبعد عنه. وعن الصادق عليهالسلام : البخيل يبخل بما في يده ، والشحيح يبخل بما في أيدي الناس ويضنّ ويحرص على ما في يديه حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله. وفي حديث عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال : خصلتان لا يجتمعان في المسلم : البخل وسوء الخلق ... هذا ، وإن الذين يبخلون ، ثم يأمرون الناس بالبخل (وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) ويسترون نعمه من الغنى والعلم والأولاد وجميع ما يحتاج إليه وينبغي أن يظهر ويشكر ، فهؤلاء يعتبرون كافرين بأنعم الله وأفضاله ومنكرين لها ومانعين لأن تسير في طريقها الذي يشرعه الله (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) هيأنا ـ سلفا ـ للكافرين عذابا تكون لهم في المهانة والسوء. وقد وضع الظاهر هنا موضع الضمير إشعارا بأن من كان هذا شأنه فهو كافر بنعم الله وله عذاب يهينه كما أهان النعمة بالبخل بها والشح والإخفاء.
٣٨ ـ (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ ...) عطف سبحانه على أولئك البخلاء الأشحّاء ، هؤلاء الذين ينفقون أموالهم فعلا ، ولكنهم يفعلون ذلك رياء وسمعة ، وحبّا بالشهرة. فهم يشاركون البخلاء في استحقاق الذم وعدم الأجر لاشتراكهما في صرف المال على ما لا ينبغي. فإن البخيل يصرف ماله على نفسه قليلا قليلا وبشح ولا يعطي منه الفقراء شيئا من حقوقهم التي شرعها الله تعالى لهم ، وهؤلاء يصرفون أموالهم رياء وسمعة فتقع أموالهم في غير مواردها ، فإنهم ـ جميعهم ـ لا يعترفون بما أوجب الله عليهم من حق (وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) بدليل أنهم لا يسمعون كلامه ولا ينفّذون أوامره (وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) لا يؤمنون أيضا بيوم البعث والحساب ولا يدينون بدين الحق ولا يسيرون على الصراط المستقيم الذي رسمه الله تعالى لهم بوسوسة تقع في آذانهم من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) بل ويل لمن كان قرينه ومرافقه وجليسه وأنيسه إبليس! ... ذاك يوسوس في صدور الناس لعنه الله فهو أسوأ قرين للإنسان.