ومحصّل الآية الكريمة أنه لا يحسن بذوي العقل والرشد أن يعرّضوا أموالهم التي جعلهم الله قوّاما عليها من أجل تدبير أمور معاشهم ، لا يجوز لهم أن يعرّضوها إلى التلف بوضعها في أيدي السفهاء الذين لا يعرفون وجوه صرفها فيما يرضى الله. وقيل إن المراد بالقيام هو الاعتدال الذي يفسّر بالنسبة للأموال بأن لا يعطى للسفيه الذي لا يقدّر أبواب الصرف تقديرا رشيدا ، فلا يجوز أن يعطى من نفقته الواجبة إذا كان من ذوي النفقة ما لا يعرف إدارته ، كما أنه لا ينبغي التضييق عليه في معاشه سواء كانت الزوجة أو الولد أو الأبوان أو غيرهم ممّن يتولّى الإنسان أمورهم ويدير أموالهم لمصلحتهم. فعليه أن يراعي ذلك كله بالعدل ، وأن لا يسلّمهم المال ما داموا غير أمناء على حسن التصرف به ، ولا أن يقتّر عليهم ، بل يتّبع الأمر بين الأمرين في النفي والإثبات ، لا النفي المطلق ولا الإثبات المطلق.
ولا يخفى على ذوي الألباب أن آيات هذه السورة المباركة مشحونة بالمسائل والأحكام الشرعية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية بين الناس ، ولذا نرى أن أكثر آياتها تتكفّل لجهات من هذه النواحي ، ولذا نرى أنها من أولها إلى آخرها وصايا من الله تعالى لمن هو عرضة لأمور العائلات مثلا كالأب أو الولي والكفيل والناظر قريبا كان أو غير قريب.
ثم لا بد من الإشارة هنا إلى نكتة هامة من النكات ، وهي أنه سبحانه ما اكتفى في قوله : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) ، بل عقّبها بقوله وصفا : التي جعل الله لكم قياما ، أي أعطاكم سلطة وقيمومة تعمّ الأموال الشخصية ـ لأن الإنسان مسلّط على أمواله ـ والأموال التي تحت يده بعنوان من العناوين الشرعية كأموال القاصرين والغائبين. فكما أنه منهيّ عن إيتاء الأموال الشخصية للسفهاء ، فكذلك لا يجوز التفريط بأموال القصّر والغيّب وغيرهم ممّن يتولّى أمورهم. فقد أفهمنا سبحانه ـ بعد صدر الآية ـ أن الحكم يعمّ كل مال عليه ولاية شرعية. ولذا ذيّل الله تعالى الآية بقوله :