العظيم. وهذا يعني أن التصرف في أموال الأيتام ذنب كبير. وقد كان هذا التصرف في عهد الجاهلية أمرا متعارفا بحيث لم يكونوا ليروا أن لليتيم مالا خاصا به ، وبالأخص حين تكون اليتيمة أنثى فإنها كانت لا حرمة لها على الإطلاق. فلما أشرقت عليهم شمس الهداية ، وبعث النبيّ الأكرم (ص) نزلت آيات كثيرة ، وفي موارد عديدة ستجيء بإذن الله ، جميعها في موضوع الأيتام وأموالهم ومختلف شؤونهم. وقد كنيّ عن التصرف بالأكل ـ كما ذكرنا ـ لأن الأمر كان عندهم متعارفا مرسوما بحيث لا يعدّونه تصرفا في مال الغير ولا أكلا له ، ولذا ورد هذا الأمر التهديدي مفتتحا بقوله : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) ، ومتبعا بقوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ) ، ومذيّلا بقوله : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) ، أي إثم موحش لا يطمئن القلوب بعد ارتكابه والتوبة منه وطلب عفو الله تعالى لعظيم شأنه كما في كبائر الذنوب التي إذا تاب مرتكبها منها يرى نفسه دائما عند تذكّرها قد فعل إثما كبيرا ويبدو عليه القلق والاضطراب والوحشة. فأكل مال اليتيم عند المؤمن يكون هكذا مع هذه النواهي الأكيدة للاحتراز منه ، وقد ورد عندنا في بعض فقرات زيارة سيدنا ومولانا الامام الرضا (ع) ما يشير الى هذا المعنى كمثل ؛ أتيتك زائرا وافدا عائذا مما جنيت على نفسي واحتطبت على ظهري. ومثل : وذكرها ـ أي الذنوب ـ يقلقل أحشائي ، وغيره .. فالظاهر أن الإنسان لا يكون مستريحا مما جناه من ذنوب حتى ولو تاب منها وأقلع عنها ، وخصوصا حين تكون الذنوب عظيمة ، وإثمها كبير ، كأكل مال اليتيم وما شابهه ، فإن الأيتام ليس لهم كفيل سوى الله عزوجل ، ولا يهتم بأمره إلّا هو سبحانه لأنهم يعدّون من عوائله وإن كان لهم من يعولهم ظاهرا.
٣ ـ (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى .......) أي إذا خفتم الظلم والجور وعدم العدل في رعاية حقوق اليتامى من النساء فلا تزوّجوهنّ (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) يعني : تزوّجوا ما حلّ لكم ـ لا ما لذّ لكم وحسن في نظركم ـ (مِنَ النِّساءِ) سائر النساء اللائي من غير اليتامى أو منهن. فقد كان الرجل يرى اليتيمة ذات جمال ومال فيتزوّجها فلربما اجتمع