الرديء والجيد من أموال اليتامى كما ذكرنا آنفا ... (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) أي لا تأكلوها مع أموالكم.
وهذا هو القصد الرابع الذي منع الله بموجبه أكل مالهم مختلطا بغيره من أموالكم بناء على ما يستفاد من كلمة : الى. فالظاهر منها هو المعّية ومن البعيد أن يكون النهي عن خصوص الأكل ، وأبعد منه إذا حملنا النهي على صورة الانضمام. فإنّا نعلم أن أكل مال اليتيم في غير الموارد المستثناة غير جائز سواء أكان منفردا أم منضما الى غيره. فعلى هذا يكون حمله على مطلق التصرّفات أولى بل أقوى في النظر الصائب.
وأما ذكر الأكل بالنسبة الى المال ، فلأنه أظهر المصاديق أو الأكثر وقوعا خارجا بالنسبة الى مصاديق التصرف ، لأن خلط أموال اليتامى الى أموال الأوصياء أو النظّار القوّام عليهم نوعا ، يجري في موارد الأكل. ولأن التفرقة فيه بين الأيتام وغيرهم ممّن ذكر في غاية الصعوبة وأمر مشكل جدا ، ولا سيما إذا كانوا في بيت واحد ، وأشكل منه إذا كانوا في قبة واحدة ، وبالأخص إذا كان الأيتام لا يزالون بين سن الخامسة والعاشرة فإن التفريق بين مالهم وغيره محلّ بلاء وإشكال لا يدركها إلّا من ابتلي بهما. فلكون الأكل مورد ابتلاء غالبا خصّه الله تعالى بالذكر. وهاهنا سؤال ، وهو أن أكل مال اليتيم حرام بلا مجوّز شرعي بلا فرق بين كونه وحده أو مع غيره. أم لا؟ ... والجواب : يمكن أن يقال إن أكل ماله في صورة الاستغناء عنه أقبح ، وظاهر الآية يدل على أنهم ذوي مال ، وأن الأولياء غير محتاجين الى ما في يدهم من أموال اليتامى ، ومع ذلك كانوا يخلطون أموالهم الى أموال الأيتام ليستفيدوا منها ولو بزيادة ما يأكلون منها حين يكون الأيتام صغارا وحين يكونون أقلّ أكلا ومصرفا من الكبار ، فلذا اختص النهي بهذه الصورة. ولو لا ذلك فلا خصوصية في الانضمام.
والحاصل أن أكل مال اليتامى بغير ميزان شرعي محرّم يقول فيه عزّ وعلا : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) والحوب هنا الذنب الموحش والإثم